مروان الفجر
السعادة التي يشعر بها تبدد مظاهر التعب التي تبدو جلية على ملامحه، فسعيد بات اسم على مسمى كما يرى نفسه، خصوصا بعد ان أصبح ينعم بمصدر رزق خاص به يؤمن معيشة كريمة لعائلته كما يصفه.
فسعيد.. الذي يكنى بأبي همام يبلغ من العمر ثلاثين عاما وهو أبا لثلاثة أطفال، وجد بين الطحين والنار كنزا ثمينا بعد سنوات من المثابرة والجهد والعناء.
فهو حاليا يمتلك مخبزا شهيرا وسط مدينة بعقوبة، وتحديدا في شارع التحرير مقابل مجمع العمارات السكنية.
معلقا، “الحمد لله الذي رزقني هذا المخبز بعد سنوات من العمل كأجير في مخابز الآخرين”.
موضحا، “منذ صغري كنت تلميذا باشرت العمل أيام العطل مع أخي الأكبر كبائع للخبز في العاصمة بغداد، وبعد التحاقي بجامعة ديالى، اضطررت للبحث عن عمل في بعقوبة”.
ويضيف، “أول مخبز عملت فيه كان مخبز البلدة، بدأت معهم “كعجان” حتى تعلمت المهنة وأصبحت خبازًا ماهراً “.
بداية لا تخلو من الصعوبة
يقول سعيد، “كانت البداية صعبة للغاية، اذ قضيت اول ثمان أشهر من افتتاح المخبز اعمل ساعات الفجر الأولى حتى الساعة التاسعة ليلاً لكسب أكبر قدر من الزبائن”.
مبينا، “بعد ان سارت الأمور بشكل جيد انضم للعمل في المخبز إخوتي وبعض أقاربي”.
وكما يصفها.. فان رحلة سعيد لم تخلُ من التحديات، بعد سنتين من افتتاح مخبزه اضطر لإخلاء محله بسبب مشروع تطوير للشارع العام، ليفتتح محلًا جديدًا في نفس الشارع ونقل المخبز.
وبعد سنتين أخرى، تعرض لنفس المشكلة حيث أُبلغ بإزالة المحل مرة أخرى لصالح مشروع خَدَمي آخر.
كانت هذه الفترة مليئة بالحيرة والقلق على مصدر رزق عمال المخبز، حتى وجد محلًا في مجمع التحرير، وهو موقعه الحالي.
“طك التنور عليك.. عادي تتحمل”
يقول سعيد، “العمل في المخبز يتطلب تحمل الحرارة العالية والتضحية بالنوم في الصباح، وتحمل الحلوة والمرة… “يعني عادي إذا طك بوجهك التنور”.
ويتابع، “من المهم ان يكون لديك أسلوب سلس وجميل مع الزبائن لكسبهم، وتحتاج إلى الصبر والإصرار لتحقيق الهدف، ومعرفة كيفية مواجهة الظروف والأزمات”.
مقداد علي، أحد الزبائن الدائمين للمخبز، ابدى تعاطفه مع سعيد.
فقال، “كل يوم في تمام الساعة 9 صباحًا، آتي للمخبز وأشتري خمس ارغفة من الخبز الحار بقيمة خمسمئة دينار، ثم أعود للمنزل، حيث أشعر بحرارة الشمس وهي تحرقني خارج المخبز”.
وتساءل مقداد بدهشة، “كيف يتحمل الخباز العمل مع هذا الحر؟
وتابع، “ما يعجبني في الامر ان سعيد يظهر دائمًا معنويات عالية، واصرار كبير على تأمين لقمة العيش لعائلته”.
وعلق مقداد مختتما حديثه، “يبهرني إصراره وحبه لعمله، شيء نادر في يومنا هذا بين الشباب.”
القناعة كنز
اما سعيد فشعور الفخر والارتياح لا يفارقانه، فيقول، “عملي كخباز علمني الصبر والقناعة بالقليل والكثير”.
ويتابع، “أود توجيه نصيحة للشباب، حاربوا البطالة بأي عمل كان، وحاولوا تغيير حالكم للأفضل وتحملوا حاولوا ولا تستسلموا، فالنَّجاح حليف كل مثابر”.
وفقًا لتقرير منظمة العمل الدولية (ILO) فإن نسبة البطالة في العراق كانت تتراوح حوالي 8.5٪ في عام 2019.
وعانت محافظة ديالى أسوة ببعض محافظات العراق من موجة إرهاب دموية، أسفرت عن مقتل واصابة الآلاف من السكان، مما تسبب بنزوح كبير من قبل سكانها الى محافظات أكثر أمنا، قبل ان تنعم باستقرار نسبي في الوقت الحاضر، وتعود اليها اشكال الحياة تدريجيا.