ألم ومعاناة لا تنتهي.. معركة النساء ضد سرطان الثدي وآثاره النفسية والاجتماعية

جنان السراي

يُعدّ سرطان الثدي من الأمراض الشائعة التي تصيب النساء، وغالبًا ما ترافقه تحديات جسدية ونفسية هائلة. في هذا التقرير، نسلط الضوء على تجارب شخصية مؤثرة لمريضات سرطان الثدي في العراق، حيث نروي قصصًا تلقي الضوء على محنة المرضى ومعاناتهم من أجل الحصول على العلاج المناسب. كما نستعرض آراء الأطباء المختصين حول أهمية الدعم النفسي إلى جانب العلاج الطبي في مسيرة العلاج من هذا المرض الشرس.

من خلال هذه القصص، نكشف عن الصعوبات التي تواجهها المريضات في سعيهن للحصول على العلاج والدعم، والأمل الذي يظل ينبض في قلوبهن رغم كل الصعاب.

بداية الرحلة مع السرطان

تقول غيداء حبيب، من مدينة بعقوبة في محافظة ديالى: “كنت في السابعة والعشرين من عمري عندما تلقيت أسوأ خبر في حياتي: أني مصابة بسرطان الثدي. كان الجميع مصدومين، فسرطان الثدي هو مرض عادةً ما يصيب النساء فوق سن الثلاثين أو الخامسة والثلاثين، بحسب المختصين”.

لم تكن غيداء تفكر كثيرًا في إصابتها، بل كان كل تفكيرها منصبًا على أطفالها الصغار الذين قد يفقدونها. تقول: “تساءلت دائمًا كيف يمكن أن يعيشوا من دوني”. تتوقف وتبتسم، وتضيف: “لم يكن بيدي شيء، كنت أضعف مما أتصور، جسديًا ونفسيًا، وكأنني محطمة بالكامل”.

كان الخوف يلازمها، إذ كانت تشعر بأن حياتها قد تنتهي في أي لحظة. وتقول: “كيف سيكبر أطفالي من دوني؟ هذه الفكرة كانت تؤرقني”.

رحلة العلاج

عندما ذهبت غيداء إلى قسم الجراحة العامة، كان من حسن حظها أن الطبيب كان موجودًا. تقول: “اعتبرت نفسي محظوظة لأن حالتي المالية صعبة، وكنت بحاجة لقرار الطبيب لإجراء كل الفحوصات اللازمة في المستشفى العام دون تكاليف إضافية”. قرار الطبيب خفف من قلقها، لكنها كانت دائمًا تشعر بالخوف من المرض ومن المستقبل المجهول لأطفالها.

تضيف غيداء: “كل لحظة أشعر فيها بالألم تزيد من مخاوفي. كيف سأتمكن من الاستمرار من أجل أطفالي؟ وكيف سيواجهون الحياة إذا لم أتمكن من التعافي؟”.

الزوج والدعم المالي

توضح غيداء أن زوجها كان يخبرها بشكل مستمر بأنه لا يملك المال، وهذا الكلام كان يشعرها بقرب نهايتها. تقول إنها زارت طبيبًا في عيادة خاصة وطلب منها ثلاثة ملايين دينار لإجراء الفحوصات في مستشفى خاص. بقيت حائرة كيف ستتمكن من توفير هذا المبلغ الكبير. تقول: “شعرت أن العالم أصبح ضيقًا علي”.

ما زاد من ألمها أن زوجها كان يخبرها بعدم توفر المال وكان غير متأثر بمرضها، مما جعلها تشعر بأنها ليست من أولوياته. تقول: “خوفي تلاشى بعد زيارتي للمستشفى العام، حيث قرر الأطباء التكفل بعمليتي الجراحية وعدم أخذ أتعابهم مني. شعرت أني سأنجو في تلك اللحظة”.

لكن هذا الشعور لم يستمر طويلاً، إذ كانت تعلم أن المعركة الحقيقية مع المرض لم تنتهِ بعد، وأن عليها الخضوع لعلاجات لا تملك ثمنها.

المرحلة التالية بعد الجراحة

بعد إجراء العملية، اضطرت غيداء لشراء بعض الأدوية من خارج المستشفى لأنها لم تكن متوفرة هناك. تقول: “كان العلاج في مستشفى ديالى التعليمي متكاملاً، وحظيت بعناية جيدة”.

الخوف من الموت كان يلاحقها كل يوم، لكن الخوف الأكبر كان أن تترك أطفالها وحدهم. تضيف: “كلما احتضنتهم، كنت أرى في عيونهم مستقبلًا قد لا أكون جزءًا منه”.

تجربة مريرة أخرى

أمل علي، ذات الـ 55 عامًا، من سكنة الغالبية، تتحدث عن تجربتها مع المرض قائلة: “تأخر اكتشاف المرض كثيرًا، ولم يكن بمقدور الأطباء سوى اللجوء إلى إزالة الثدي بالكامل”. تذكر أنها أم لستة أبناء، وأن ضنك العيش شغلها عن متابعة حالتها الصحية.

تضيف أمل: “كنت دائمًا ما أتجنب الذهاب إلى الأطباء نتيجة عسر الحال. ولكوني مصابة بأمراض مزمنة، كنت أعتبر أي علامة في جسمي جراء الأدوية التي أتعاطاها”.

تقول أمل إن ابنتها الصغيرة شكت في إصابتها عن طريق الصدفة. “بينما كانت معي في الحمام، لاحظت الورم على صدري، وهو ما دفعها إلى أخذي إلى مستشفى مدينة الطب ليتبين إصابتي بالمرض. هذا استدعى تدخلًا جراحيًا عاجلًا لإزالة الثدي بالكامل”.

تحديات العلاج

تضيف أمل: “قام الأطباء في المستشفى الحكومي بواجبهم بشكل كامل، لكن المشكلة كانت في ضعف الإمكانيات وكثرة المرضى. حتى أن أولادي اضطروا إلى بيع منزلنا في أطراف بغداد لتمكيني من تلقي الجرعات الإشعاعية في أحد المستشفيات الأهلية في بغداد بعد تعذر الحصول عليها في المستشفى الحكومي”.

وتتابع بحسرة والدموع تملأ عيونها: “تسببت بفقدان منزلنا واضطر أولادي إلى السكن بالإيجار، وهو أمر زاد من الأعباء المالية عليهم بشكل كبير”. وتختم حديثها بالقول: “لو الله ما أخذ أمانته ولا مبهدلتهم، ربي يعوضهم عن خسارتهم ويجازيهم على برهم”.

رأي الأطباء

يؤكد الدكتور جعفر البريقعاوي أن التعامل مع مريضات سرطان الثدي لا يقتصر على الجانب الطبي فقط، بل يمتد ليشمل الجانب النفسي الذي يُعد جزءًا أساسيًا من رحلة العلاج. ويشير إلى أن الصدمة النفسية التي تتعرض لها المريضة بعد التشخيص تخلق شعورًا بالخوف والقلق الشديدين، خاصة فيما يتعلق بفقدان الثدي وما يصاحبه من تغييرات في الصورة الذاتية والشعور بالأنوثة.

وأضاف البريقعاوي أن الأذى النفسي الناتج عن هذه التجربة قد يؤدي إلى حالات من الاكتئاب والعزلة الاجتماعية، بل وقد يؤثر سلبًا على استجابة المريضة للعلاج الطبي. لذا يشدد على أهمية توفير رعاية نفسية متكاملة إلى جانب الرعاية الطبية لتعزيز قوة المريضة النفسية ومنحها الأمل في مواجهة هذا التحدي الكبير.

وبحسب إحصائيات دائرة صحة ديالى، يتجاوز عدد الإصابات المسجلة في مركز الأورام السرطانية في بعقوبة 4800 حالة، معظمهم من الشباب، و70-80% منهم من عوائل تحت خط الفقر، مما يبرز أهمية استمرار الجهود لتوفير الرعاية والدعم اللازم لهذه الشريحة من المجتمع.

الدكتورة هديل فياض محمد، أخصائية الجراحة العامة ومسؤولة وحدة أورام الثدي في مستشفى بعقوبة التعليمي، توضح خلال حديث خصّت به “شرق العراق” العلامات التي تستدعي النساء لمراجعة الطبيب: “تتضمن هذه العلامات وجود كتلة في الثدي أو تحت الإبط، أو ملمس غير طبيعي، وتغير في شكل أو لون الجلد، خاصة في منطقة الهالة بحيث يشبه شكل قشر البرتقال، إضافة إلى إفرازات من الثدي، أو تغير في حجم الثدي وشكله، وخاصة إذا كان التغيير من جهة واحدة فقط. كما أن الألم غير المبرر أو القروح التي لا تستجيب للعلاجات البسيطة تستوجب القلق”.

تضيف زينة عدنان، طبيبة اختصاص أشعة وسونار في مستشفى بعقوبة التعليمي، داعية النساء إلى “التوجه للفحص عند ملاحظة أي علامات غير طبيعية في منطقة الثدي أو الإبط عبر إجراء سونار أو أشعة الماموغرام، وخاصة عند بلوغ سن الأربعين حيث يجب أن يكون الفحص دورياً. أما في حال وجود تاريخ عائلي للمرض، كإصابة إحدى نساء العائلة، فإن الفحص يجب أن يبدأ من سن 35 عاماً”.

تؤكد رغد فائز، طبيبة اختصاص جراحة عامة، على أهمية الكشف المبكر: “الكشف المبكر يمكننا من تجنب الوصول لانتشار الورم والحاجة إلى التدخل الجراحي لاستئصال الثدي. تأتي لي حالتان أو حالة جديدة على الأقل كل أسبوع، وهذا رقم ليس بالهين. الفحص الذاتي يساهم بالكشف عن الإصابات بنسبة 25%، فيما يساهم الكشف السريري عند الطبيب المختص بنسبة 40%”. وأضافت: “الكثير من النساء يترددن في زيارة الطبيب عند ملاحظة كتلة صغيرة، أو يعتبرنها شيئاً عادياً”.

في سياق آخر، تشير مروة قحطان الربيعي، أخصائية أورام وغدد، إلى انتشار سرطان الثدي في أعمار أصغر: “رغم أن العمر المعتاد للإصابة هو بعد سن الأربعين، فإن لدي مريضات أعمارهن تتراوح بين 19 و30 سنة”. وتضيف: “هناك خوف غير مبرر من أخذ جرعات العلاج الكيميائي والهرموني. أنا أقول لمريضاتي، امنحيني من حياتك 6 أشهر فقط، وبعدها ستعودين لحياتك الطبيعية كما كانت قبل الإصابة. وأؤكد أن نسبة الاستشفاء من سرطان الثدي عالية جداً، تصل إلى 98%، بل وفي المرحلة الأولى يمكن أن تصل إلى 100%”.

من جهتها، تذكر استبرق الزبيدي، عضو ارتباط وحدة شؤون المرأة وحقوق الإنسان في ديالى، أن جهود التوعية مستمرة ومكثفة منذ مطلع أكتوبر في كافة المستشفيات والمراكز الصحية في ديالى، وذلك من خلال توزيع بروشورات توعوية وإقامة ندوات علمية وجلسات توعية فردية. إلا أنها تشير إلى “الحاجة لتكثيف التوعية في القرى والأرياف لرفع مستوى الوعي حول أهمية الكشف المبكر”.

وبحسب دائرة صحة ديالى فأن “الفحص المبكر لسرطان الثدي في وحدة اورام الثدي داخل استشارية مستشفى بعقوبة التعليمي والمراجعة مجانية بالكامل وبدون نظام احالة من المراكز الصحية”.

صرح الدكتور محمد شاكر الفدعم، اختصاصي الجراحة العامة والجراحة الناظورية المتقدمة في ديالى، قائلًا: “كل مرة كنت أفحص مريضة بثدي، كان عندي شعور قوي بأنها قد تكون مصابة بالسرطان، لكن ما كنت أقدر أبلغها مباشرة. كنت أرسلها دائمًا للفحوصات والتحاليل، وكنت أتمنى من كل قلبي أن يكون شكي في غير محله. عندما كانت النتائج تأتي سلبية، كنت أشعر بارتياح كبير، ولكن عندما كانت تأتي إيجابية، كنت أدخل في حيرة عميقة”.

تجربة الأطباء مع المرضى

يكمل الفدعم: “أصعب ما كان عليّ هو كيفية إبلاغ المريضة أو عائلتها بالخبر، خصوصًا في الحالات التي لا يظهر فيها الزوج أو العائلة اهتمامًا كبيرًا. كنت أفكر كثيرًا قبل أن أبلغ المريضة، لأنني أعلم مدى أهمية جمالها وأنوثتها بالنسبة لها، وفقدان الثدي قد يغير حياتها بشكل جذري.

عندما كنت أوصل الخبر للمريضة، كانت تلك اللحظة من أصعب اللحظات عليّ. كنت أحاول دائمًا التحدث معها بهدوء وإقناعها بالخيارات المتاحة. وإذا كان هناك مجال للحفاظ على الثدي، كنت أشرح لها جميع الخيارات الممكنة. أما إذا لم يكن هناك خيار سوى إزالة الثدي بالكامل، كنت أحاول التخفيف عنها بالكلام والمزاح، رغم أنني في داخلي كنت محطمًا. لا أحد سوى الله يعلم ما كنت أشعر به في تلك اللحظات”.


أنتج هذا التقرير بدعم من برنامج قريب ميديا #Qaribmedia الممول من AFD & CFI
Exit mobile version