في منتصف تشرين الأول الماضي، بدأت أولى فرق صيد الصقور البرية بالتدفق إلى مناطق أقصى شرق ديالى، خصوصًا بادية قزانيه، التي تُعد نقطة جذب لعشرات الصيادين من مختلف أنحاء العراق، خاصة من محافظة ديالى. هذه المنطقة تُشكل ممرًا استراتيجيًا لهجرة الصقور البرية القادمة من وسط روسيا وبعض جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، مرورًا بإيران، وصولًا إلى مناطق شرق العراق في طريقها إلى الجزيرة العربية وأفريقيا.
صيد الصقور: شغف وهواية اقتصادية
مع بداية موسم الصيد الذي يمتد ثلاثة أشهر، تم تسجيل بيع أول صقر حر، اصطيد قرب بادية قزانيه، بمبلغ 30 مليون دينار، مما يعكس أهمية هذا النشاط كوسيلة للرزق وهواية يعتز بها الصيادون. ويُعد “الحر” أشهر أنواع الصقور المهاجرة التي تمر عبر ديالى، خصوصًا النوع “الثلجي” أو “الفضي”، الذي قد تصل قيمته إلى عشرات الملايين، بسبب ندرته وألوانه المميزة.
مازن الخزاعي، مدير ناحية قزانيه السابق، أوضح في حديث خاص لموقع شرق العراق أن “موسم الصيد بدأ منذ عدة أسابيع، مشيرًا إلى تدفق فرق الصيد من ديالى وخارجها وفق مسارات محددة، بمساعدة “الأدلة” الذين يعرفون جغرافية الأرض وأماكن مرور الصقور. وأكد الخزاعي أن بعض الصقور التي تم صيدها بيعت بأسعار مرتفعة، حيث بلغ سعر أحدها 30 مليون دينار”.
الصقار أبو محمد، الذي يمارس هذه الهواية منذ أكثر من 13 عامًا، أوضح أن الصيد ليس مجرد وسيلة للكسب، بل هو شغف يمنح ممارسيه إحساسًا بالحرية والانتماء للطبيعة. العملية تتطلب صبرًا كبيرًا وخبرة متراكمة لفهم التضاريس ومسارات الطيور، حيث قد يستغرق صيد صقر واحد أسابيع أو حتى أشهر. ويضيف: “صيد صقر نادر يمكن أن يغير حياة الصياد تمامًا، خاصة إذا بيع بمبلغ كبير”.
تحديات البيئة والتنوع الحيوي
الناشط البيئي محمد إبراهيم أشار إلى أن تزايد عمليات الصيد الجائر تسبب بانخفاض ملحوظ في أعداد الصقور المهاجرة إلى مناطق ديالى خلال السنوات الأخيرة. هذا الأمر لا يهدد الصقور وحدها، بل يُخل بالتوازن البيئي، حيث تُعد الصقور جزءًا مهمًا من السلسلة الغذائية، إذ تُساعد في السيطرة على أعداد القوارض والطيور الصغيرة التي تُشكل فرائسها.
الطبيب البيطري والناشط في مجال التنوع الاحيائي د. سيف الدين وسام أوضح أن الصقور تقع على قمة الهرم الغذائي، مما يجعلها ضرورية للحفاظ على الاتزان البيئي. وأشار إلى أن تراجع أعدادها يؤدي إلى زيادة غير طبيعية في أعداد القوارض، التي تُسبب بدورها أضرارًا بيئية وصحية للإنسان والنبات. وأكد أن الصقور تلعب دورًا مزدوجًا في السيطرة على القوارض والطيور الأصغر حجمًا، مما يحمي المحاصيل الزراعية من أضرار جسيمة..
الحلول المقترحة
مع تزايد المخاوف من التأثيرات السلبية للصيد الجائر، تجددت الدعوات إلى إنشاء محميات طبيعية في مناطق شرق ديالى، مثل قزانيه ومندلي، لحماية الطيور المهاجرة والحيوانات البرية الأخرى. يرى الناشطون أن هذه المحميات يمكن أن تُسهم في حماية الأنواع المهددة بالانقراض وضمان استمرار التنوع البيولوجي في المنطقة.
أنتج هذا التقرير بدعم من برنامج قريب ميديا Qarib media الممول من CFI & AFD