استبرق صباح – ديالى
في شارع حيوي وسط قضاء الخالص شمال محافظة ديالى، حيث تمتزج أصوات الباعة وحركة المارة، تقع زاوية هادئة قرب فلكة عليبات تحتوي على مقهى صغير يحمل اسم “حلويات حور”. هناك، تجتمع النساء ليرتشفن القهوة ويتبادلن أطراف الحديث.
بداية الحلم
حوراء ماهر محمد، شابة في الثانية والعشرين من عمرها، لم تكن مجرد فتاة حالمة، بل كانت امرأة مصممة على أن تجعل من حلمها حقيقة. خريجة قسم الجغرافيا من جامعة ديالى، وجدت في مدينتها حاجة إلى مكان هادئ تجتمع فيه النساء بعيدًا عن قيود التقاليد، بحسب قولها.
تتحدث حوراء بابتسامة تحمل في طياتها كل معاني الإصرار، وهي تقدم طبقًا من الحلوى التي أعدتها بنفسها:
“منذ صغري، كنت أحلم بأن يكون لي مشروع خاص، مكان يشبهني ويخدم النساء في منطقتي. هذا الحلم لم يكن مجرد فكرة، بل كان شغفًا يسكن قلبي”.
قبل عامين، بدأت حوراء رحلتها متسلحة بشغفها ورغبتها في التعلم. أخذت خطواتها الأولى بتعلم فنون صناعة الحلويات، متنقلة بين دورات تدريبية في أربيل وبغداد، وعملت في مقهى لعدة أشهر لتصقل موهبتها وتواكب أذواق العصر.
تقول: “لم يكن الأمر سهلاً. بدأت بمبلغ بسيط قدمه لي والدي، وبدعم وتشجيع عائلتي شعرت أن حلمي بات أقرب إلى التحقق.”
تحديات وانتقادات
لم تكن الطرق ممهدة أمام حوراء عندما قررت افتتاح مقهاها في سوق يسيطر الرجال على 95% من محلاته. فكرتها بدت غريبة للكثيرين، خاصة في مجتمع لا يتقبل بسهولة فكرة أن تدير امرأة مشروعًا تجاريًا في هذا المجال.
تتذكر بأبتسامة تحمل بين طياتها الفخر والتحدي، وتقول: “عندما أخبرت المقربين عن فكرتي، كانت ردود الأفعال متباينة. البعض استغرب، والبعض الآخر عارض بشدة، لأن كلمة ‘مقهى’ في أذهانهم كانت مرتبطة بأجواء لا تناسب النساء.”
في الشهرين الأولين من افتتاحها للمقهى، لم تسلم حوراء من الانتقادات. “العديد من المعارف أخبروا والدي: ابنتك ليست بحاجة إلى المال، لماذا تعمل في السوق وفي مهنة لا تناسب تقاليد مجتمعنا؟”،
ولكن على الرغم من هذه الانتقادات، كانت تشعر بأنها ليست الوحيدة. فتقول “سمعت الكثير من الكلام، على الرغم من أنني لست الوحيدة في السوق، فهناك نساء أخريات افتتحن مشاريع مختلفة قبلي، وهذا ما شجعني على أن أفكر في أن يكون لي مشروعي الخاص.”
ورغم هذه التحديات، لم تستسلم. وبإصرارها، استطاعت أن تغير النظرة المجتمعية السائدة وتثبت أن المرأة قادرة على النجاح في مجال يعتبره البعض غير مناسب لها.
اليوم، أصبحت “حلويات حور” مكانًا يرتاده الجميع، حيث يمكن للعوائل والنساء الاستمتاع بالأجواء الهادئة بعيدًا عن ضجيج السوق.
فضاء خاص للنساء
“حلويات حور” ليس مجرد مقهى، بل هو مساحة مخصصة للنساء والعوائل .
تقول نور حسين، إحدى الزبائن: “وجود مكان كهذا في منطقتنا كان أشبه بحلم. هنا نجد الراحة بعيدًا عن أجواء الضوضاء في السوق.”
أما أميمة علي فتشير إلى أن المقهى يوفر بيئة مثالية للقاء العائلات والصديقات، قائلة: “وأخيرًا أستطيع أن ألتقي بصديقاتي وأخرج مع أخواتي في مقهى خاص بنا.”
وتضيف: “المكان أتاح لي الفرصة للتعرف على فتيات أخريات التقيتهن هنا، كما أنه يمكن للأمهات أن يأتين مع أطفالهن دون قلق، وهو ما كنا نفتقده في منطقتنا.”
صورة اميمة علي وهي تجلس مع صديقتها في المقهى
زهراء علي، وهي أم لطفلين ولديها محل أيضًا في السوق، فتقول: “سعيدة بهذا المشروع، فقد وفر لي ولأطفالي مساحة للترفيه. بعد العمل، نخرج مساءً، نتناول الحلويات، ونقضي بعض الوقت معًا”.
وعلي أمين، شاب من الخالص، يقول: “هذا المقهى وفر مساحة لعوائلنا للخروج والترفيه داخل القضاء. سابقًا، إذا أردنا الخروج، كان علينا الذهاب إلى مركز المحافظة في بعقوبة، وأحيانًا إلى بغداد.”
ويضيف: “مقهى حور هو أول مكان يوفر مساحة آمنة ومريحة للنساء في القضاء.”
“لم يكن لحلمي أن يتحقق لولا والدي”
وسط كل التحديات، كان والد حوراء هو السند الذي لم يتخلَ عنها. بحنان الأب وحرصه على مستقبل ابنته، وقف إلى جانبها في كل خطوة.
“أبي ليس مجرد داعم لي، بل هو شريكي في الحلم. كان معي منذ البداية، يساعدني في تجهيز المقهى، واليوم يتولى إدارة الحسابات”، تقول حوراء وعيناها تلمعان بالامتنان.
تضيف: “لو تحدثت عن أبي لسنوات، فلن أوفيه حقه. عندما يسأله أحد عن أحواله، يجيب بفخر أن ابنته افتتحت مشروعها الخاص، ويحكي لهم التفاصيل وكأنه يتحدث عن إنجاز شخصي”.
طموحات بلا حدود
في هذا المقهى الصغير، تقدم حوراء مجموعة متنوعة من الحلويات والمشروبات التي تحمل بصمتها الخاصة، من الوافل إلى البان كيك، ومن القهوة الساخنة إلى العصائر الطبيعية. كل طبق وقائمة تحمل شغفها وإبداعها.
لكن طموح حوراء لا يتوقف عند هذا الحد. تقول: “أحلم بأن يصبح اسم ‘حلويات حور’ علامة تجارية معروفة، وأن أفتتح فروعًا أخرى في مختلف المناطق. أريد أن أترك بصمة، أن يكون اسمي مرتبطًا بالجودة والإبداع.”
رسالة لكل امرأة
تختم حوراء حديثها برسالة مفعمة بالأمل:
“إلى كل امرأة تحمل حلمًا في قلبها، لا تترددي. الصبر، القناعة، والإيمان بالنفس هم مفاتيح النجاح. الطريق قد يكون صعبًا، لكن الإنجاز يستحق كل العناء.”
أنتجت هذه القصة الصحفية بدعم من برنامج قريب ميديا الممول من CFI & AFD