
احمد نجم
حتى بعد مرور نحو 22 عامًا من عمر النظام السياسي الجديد الذي فرض تمثيل المرأة في مجالس النواب والمحافظات بنسبة لا تقل عن 25%، لا تزال نساء أخريات في مؤسسات الدولة التنفيذية داخل محافظة ديالى في حالة اختفاء شبه تام عن دوائر صنع القرار.
ويمكن من خلال جولة سريعة على المواقع الخاصة بالمنصات الرسمية للحكومة المحلية والدوائر المركزية أن نلاحظ أنه من النادر جدًا أن تظهر المرأة حاضرة في إحداها، حتى يكاد الفرد يشك في وجود جنس آخر غير الرجال يعمل في تلك المؤسسات.
رغم ذلك، فإن نسبة النساء الموظفات في معظم المؤسسات الحكومية، بحسب البيانات والإحصاءات الرسمية، مقاربة للرجال، وتتفوق عليها أحيانًا.
وليس من المنطقي المطالبة بتحديد نسبة معينة لتمثيل النساء في المناصب الإدارية الهامة كما يحصل في المجالس التشريعية، لكن غيابها التام عن هذا المشهد يطرح تساؤلات عميقة عن الأسباب والموانع.
حكومة محلية بلا نساء
ويبدو أن دور المرأة في صناعة القرار في تراجع، كما يقول أحمد جسام، مدير مؤسسة النور الجامعة: “قبل سنوات قليلة كانت هناك امرأة بمنصب عميد كلية وامرأة مديرة لدائرة الهجرة والمهجرين، ولكن الآن اختفى كل شيء”.
ويقول جسام إن تشكيل الحكومة المحلية الذي جرى خلال العام الماضي غابت عنه المرأة بشكل كامل: “رئيس المجلس ونائبيه، والمحافظ مع نوابه ومعاونيه جميعهم من الذكور”، كما أن اختيار القائمقامين ومديري النواحي، والبالغ عددهم نحو 24 شخصًا، قد تم بنفس الطريقة، حيث غابت النساء عن قوائم الفائزين.
ويعيد جسام، الذي يرأس واحدة من أهم مؤسسات المجتمع المدني في المحافظة والمعنية بتقييم عمل مؤسسات الدولة، أسباب هذا التراجع إلى ذكورية المجتمع، وعدم وجود فضاء يجمع النساء للدفاع عن قضاياهن ودورهن “بالإضافة إلى كون المراكز القيادية للأحزاب السياسية خالية من النساء، وبالتالي فالنساء لا يشاركن في طاولة الحوارات السياسية أصلاً”.
وعلى مستوى العراق، فقد تراجع تمثيل المرأة وزاريًا؛ فالحكومة المؤقتة الأولى بعد عام 2003 ضمت 6 وزيرات، فيما وصل العدد إلى ثلاث وزيرات في الحكومة الحالية.
ووفقا لتقرير واقع النوع الاجتماعي في وزارات ومؤسسات الدولة الصادر عن وزارة التخطيط عام 2018، وهو آخر تقرير صدر عن الوزارة بهذا الخصوص، فإن عدد النساء اللاتي يشغلن منصب مدير عام في مختلف وزارات الدولة والهيئات المستقلة بلغ 35، فيما يشغل الرجال 323 منصبًا مماثلًا. كما أن هناك 79 امرأة بمنصب معاون مدير عام مقابل 335 رجلًا.
ووفقًا للتقرير نفسه، فإن عدد الرجال الذين يشغلون منصب مدير دائرة يبلغ 943 رجلًا مقابل 108 نساء. وعلى مستوى مديري الأقسام داخل الدوائر الحكومية، هناك 4265 مدير قسم من الرجال، فيما يبلغ عدد مديرات الأقسام من النساء 1423.
المهام العائلية
منى الجبوري واحدة من النساء القلائل اللواتي تولَّين مسؤولية إدارية في السنوات الأخيرة.
تولَّت الجبوري إدارة بلدية أشنونا في ناحية بهرز ببعقوبة لعدة سنوات، وتقول إنها أثبتت للجميع أن الإدارة، في بعض الأحيان وبعض المجالات، تكون أفضل عندما تتولاها النساء.
ولا تعتقد أنها واجهت صعوبات في مسيرتها لكونها امرأة، لكن العوائق الكثيرة التي تقلل من فرص النجاح الإداري تشمل الرجال والنساء على حدٍّ سواء.
أما أسباب ضعف تمثيل النساء إداريًّا، فتعيدها الجبوري إلى ظروف النساء وارتباطاتهن العائلية، وتقول: “لكن كمؤهلات، فلدينا الكثير من الكفاءات التي لا تتاح لهن الفرصة.”
تمكين المرأة
ومنذ نحو عقدين، بدأ استحداث أقسام وشُعب في المؤسسات الحكومية معنية بتمكين المرأة، لكن معظم نشاط تلك التشكيلات يركز على تنظيم الاحتفالات بيوم المرأة العالمي أو تنظيم حملات توعية تخص العنف ضد النساء أو التثقيف الصحي.
تترأس نغم عزيز قسم شؤون المرأة في محافظة ديالى، وهو أهم منصب معني بتمكين المرأة في المحافظة.
تقول نغم: “القسم والشُعب المرتبطة به معنية برفع مستوى تمثيل المرأة سياسيًا، وثقافيًا، واقتصاديًا، واجتماعيًا.”
وترى أن تمثيل النساء القياديات في المناصب الإدارية أصبح نادرًا، مضيفةً: “لدينا حاليًا مديرة التسجيل العقاري، ومديرة تربية جلولاء، وإحدى مديرات البلديات فقط”.
وتضيف: “حتى رؤساء اللجان المعنية بالمرأة غالبًا ما يكونون من الرجال.”
ولأن المجتمع المحلي عشائري وتطغى عليه العادات والتقاليد القبلية، فإن الرجال غالبًا لا يتقبلون أن تتولى امرأة قيادتهم، كما تقول نغم، مما أدى إلى تخوف النساء وعزوفهن عن السعي للقيادة حتى في حالة توفر الكفاءة، وهو ما يشير إلى عمق الأسباب الاجتماعية وصعوبة معالجتها.
المرأة كديكور
وترى زينة الركابي، ممثلة رابطة المرأة العراقية في ديالى، أن المحافظة تضم “نساء قويات وكفؤات ومثابرات ولديهن القدرة والطموح، لكن لا يُمنحن الفرصة لإثبات ذلك.”
وترى أن أصحاب القرار لا يفضلون وجود امرأة قوية في مراكز صنع القرار، قائلةً: “دائمًا يفضلون النساء التابعات والمطيعات.”
وتضيف: “بعد 2003 وظهور الأحزاب والتدخلات الخارجية، أصبح يُنظر إلى المرأة سياسيًا كعنصر تابع وديكور غير فعال بسبب ذكورية المجتمع.”
يضم مجلس النواب العراقي 97 امرأة، ما يمثل نسبة 29.4% من المجموع الكلي لأعضاء المجلس، منهن 4 نائبات يمثلن محافظة ديالى. كما يضم مجلس محافظة ديالى الحالي 4 نساء أيضًا، وتُفرض نسبة التمثيل هذه للنساء في المجالس التشريعية دستوريًا بما لا يقل عن 25% من عدد المقاعد.
ومن المفترض أن يؤدي هذا التمثيل الإلزامي للنساء في المجالس التشريعية إلى إيجاد فرص أكبر للمرأة في صناعة القرار ضمن المؤسسات الحكومية، وتسريع خطوات تمكينها، لكن ما حصل هو العكس.
سلطة الأهل
تتحدث النائبة في البرلمان العراقي، أسماء كمبش، لـ شرق العراق عن أسباب ذلك، قائلةً: “مرة من المرات دعمتُ إحدى النساء لإدارة دائرة خدمية مهمة، لكنني تفاجأت لاحقًا بحجم الفساد، وهدر المال العام، وبيع أملاك الدولة، وتدخل زوجها في عمل المؤسسة، حيث صار يأخذ العمولات”.
وتبرز مشكلة أخرى تقلل من فرص المرأة؛ ففي بعض التجارب التي كُلِّفت فيها النساء بمناصب هامة، ظهر واضحًا تدخل الأهل، وخاصة الأب أو الزوج أو الأخ، في قراراتهن، بسبب الطبيعة الاجتماعية والأعراف العشائرية، وأحيانًا استغلالًا لضعف المرأة.
وتعتقد كمبش أن تلك التجربة، وغيرها من التجارب المشابهة، قد أساءت إلى المرأة وأثرت على حظوظها في تولي مواقع المسؤولية.
ولا تتفق كمبش مع الآراء التي تعيد الأسباب إلى ذكورية المجتمع بقدر ما تشير إلى نقص الكفاءات، قائلةً: “وحتى إذا وُجدت كفاءة، فلا تحصل على الدعم، لأن الأحزاب غالبًا ما تكون اختياراتها ضعيفة وتفضل من يخدمها اقتصاديًا، فالمحاصصة المقيتة دمرت كل الكفاءات من الرجال والنساء معًا”.
نساء ضد النساء
تؤكد عضو مؤسسة المرأة العراقية، منال حاجم، أن المرأة في المجالس التشريعية ينبغي أن تكون داعمة ومساندة ومتبنية لمشاريع تمكين المرأة، قائلةً: “لكن غالبًا ما تكون النساء الفائزات بمقاعد مجلس النواب أو مجلس المحافظة غير متبنيات لقضايا المرأة”، وبالتالي من الممكن أن تعمل الكوتا ضد تمكين المرأة.
“هناك شيء آخر، وهو الغيرة النسوية، فمعظم النساء في مواقع المسؤولية يعتمد تفكيرهن على التنافس النسوي والغيرة من بعضهن أكثر مما يعتمد على كونه عملًا سياسيًا”، يقول أحمد جسام.
نساء أكثر.. فساد أقل
تتابع مؤسسة النور العمل الإداري والخدمي، وتجري سنويًا تقييمًا لعمل المؤسسات الحكومية. يقول مدير المؤسسة: “رصدنا أن النساء أقل فسادًا، وهذا مؤشر عام على مستوى العراق، نتيجة الحذر الكبير الذي يحيط بعمل المرأة والعادات الاجتماعية.”
ويرى الباحث الاجتماعي علي كاظم، استنادًا إلى التجارب التي اطلع عليها، أن المرأة تكون أكثر تشددًا من الرجل في الالتزام بالضوابط، قائلًا: “تكاد تكون المرونة معدومة”. كما يتفق في أن الفساد الإداري يكون أقل، مضيفًا: “ربما لأن جرأتهن أقل أو بسبب الضغط الاجتماعي”.
ويقول أيضًا إن التجارب المحلية أثبتت أن النساء أكثر إبداعًا في المهام الحسابية والتدقيقية، نتيجة اعتيادهن على العمل المنزلي وكثرة التدقيق والملاحظة والحذر المبالغ فيه.
ويضيف سببًا آخر لتراجع تمثيل المرأة في مواقع المسؤولية: “شغف النساء بالمناصب أقل بكثير من الرجال، بسبب المهام الأسرية والواجبات المنزلية، وأحيانًا بسبب رفض الأهل، لأن التصدي للإدارة سيحول المرأة إلى شخصية عامة ويجبرها على الظهور، مما قد يثير حساسية لدى المجتمعات المحافظة”.
ولا يبدو واضحًا للعيان أي مبادرات أو خطط للتقليل من هذه الفجوة، فالحديث عن تمكين المرأة داخل المؤسسات الحكومية تحول إلى إجراءات شكلية وصورية، من دون رؤية حقيقية لتغيير الواقع، وأحيانًا من دون وجود رغبة للقيام بذلك، كما يقول الناشط السياسي خضر إلياس طه.
ويضيف طه: “الجانب السياسي والحكومي لا يدعم المرأة، لكن هناك دورًا يجب أن تشغله منظمات المجتمع المدني”.
ويتابع: “نحتاج في ديالى إلى نهضة ثقافية لدعم وتمكين المرأة، حتى تأخذ دورها تدريجيًا في المجالين الإداري والسياسي.”
لقد تم انتاج هذا التقرير بدعم من مشروع “قريب” برنامج اقليمي تموله الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD) وتنفذه الوكالة الفرنسية للتنمية الاعلامية (CFI)