دويرة: رحلة المهندسة مروة أديب في تحويل النفايات إلى الذهب الأخضر
جنان السراي
في أحد أيام الصيف الحارة من العام الماضي، جلست المهندسة مروة أديب وسط مجموعة من الشباب في ورشة تدريبية ضمن برنامج “القيادات الشبابية”، حيث كان الجميع يتحدثون بحماس عن مشاكل المجتمع ويطرحون أفكارًا لحلها. وبينما انشغل البعض بمناقشة البطالة وتحديات التعليم، كانت مروة تفكر في شيء آخر، شيء كان يزعجها كل يوم عندما تمر بشوارع مدينتها: أكوام النفايات المتناثرة هنا وهناك، بحسب وصفها.
كانت تلك الصورة تزعجها كثيرًا وتثير في نفسها تساؤلات: لماذا لا يتم استغلال هذه النفايات؟ كيف يمكن تحويلها إلى شيء مفيد؟
بعد انتهاء الورشة، لم تستطع مروة أن تتوقف عن التفكير بأن هذه النفايات تمثل فرصة لها، خاصة إذا استطاعت تحويلها إلى مورد مفيد للتربة التي تدهورت بفعل استخدام الأسمدة الكيميائية. بهذه الأفكار بدأت بذرة مشروع “دويرة” تنمو في ذهنها شيئًا فشيئًا. تقول مروة: “كنت أفكر فقط في إنقاذ تربتنا وجعلها غنية”.
من الفكرة إلى التنفيذ
عادت مروة إلى منزلها وبدأت تبحث وتقرأ عن إعادة التدوير وتحويل النفايات العضوية إلى سماد طبيعي. أخيرًا، اكتشفت مفهوم “فيرمي كمبوست”، وهو سماد عضوي يتم إنتاجه من النفايات باستخدام ديدان خاصة.
تقول مروة: “الفكرة لم تكن فقط مجرد إعادة تدوير، بل حل بيئي مستدام يمكن أن يحسن التربة ويقلل من الاعتماد على الأسمدة الكيميائية الضارة”. تنظر مروة إلى بعض النباتات التي بدأت زراعتها بهذه التربة الجديدة، وتتابع بعد تنهيدة طويلة: “الطريق إلى تحويل الفكرة إلى واقع لم يكن سهلًا”. تشير بيدها وتحرك أصابعها على شكل خطوات، قائلة: “مع كل خطوة كنت أواجه تحديًا جديدًا.”
تبتسم مروة وهي تتذكر أولى هذه التحديات: “استهزأ البعض بفكرة المشروع”. وتضيف: “كانوا يقولون لي: كيف ستنجحين في مشروع فشلت فيه الكثير من المحاولات السابقة؟”. حتى اسم المشروع “دويرة” لم يسلم من السخرية، لكنها كانت مصممة على المضي قدمًا.
تحويل النفايات إلى سماد عضوي
تعتمد آلية عمل “دويرة” على تكنولوجيا بسيطة وفعالة. تشرح مروة أن الديدان تأكل ما يعادل نصف وزنها يوميًا، وأن كيلوغرامًا واحدًا من الديدان يحتاج إلى حوالي ثلاثة أرباع الكيلوغرام من المخلفات لإنتاج ربع كيلوغرام من السماد العضوي يوميًا.
منذ بدء المشروع، تمكنت مروة وفريقها من تحويل حوالي 1100 كيلوغرام من المخلفات الزراعية والحيوانية وفضلات الطعام إلى سماد عضوي.
ووفقًا للمهندس بسام الحديثي، مسؤول في بلدية بعقوبة، فإن قضاء بعقوبة وحده يجمع حوالي 600 طن من النفايات يوميًا، مما يعكس الحاجة الملحة لمشاريع مثل “دويرة”. ويضيف الحديثي: “النفايات توجه حاليًا إلى موقع الطمر الصحي الواقع في تقاطع كنعان السياحي”.
ويؤكد أن البلدية لا تمانع التعاون مع مثل هذه المشاريع، بل تعتبرها فرصة لتحقيق استفادة مشتركة تعزز تقليل التأثير البيئي السلبي الناتج عن النفايات. كما أشار إلى أن البلدية مستعدة لمناقشة أي مشروع رسمي يتم تقديمه من قبل الأطراف المعنية، من خلال توجيه كتاب رسمي لبدء إجراءات التعاون والموافقة عليه.
التحديات والرفض المجتمعي
لم يكن رفض المحيطين بمروة هو التحدي الوحيد، بل كانت هناك صعوبات مادية أيضًا. تقول مروة: “كنت أفكر من أين أحصل على الدعم اللازم؟ وكيف أجد المكان المناسب لتنفيذ مشروعي؟”.
هذه التحديات لم توقف مروة، بل استمرت بالعمل بلا كلل، مستعينة بفريقها التطوعي وبعض الخبراء الذين آمنوا بفكرتها.
تتذكر مروة كيف كانت عائلتها غير متحمسة لفكرة مشروعها في بداياته. تقول: “لم يكن من السهل إقناعهم بأن مشروع إعادة تدوير النفايات يمكن أن ينجح في مجتمع لا يعرف قيمة النفايات ولا يفكر في كيفية الاستفادة منها”. ولكن بعد مرور وقت قصير من بدء المشروع وظهور نتائجه، بدأت الأمور تتغير.
الدعم غير المتوقع
رغم كل الصعوبات، وجدت مروة دعمًا في أماكن غير متوقعة. تقول: “كان هناك الأستاذ قيس عبد الجليل، ودكتور داوود البيطري الذي ساعدني كثيرًا في المعلومات العلمية حول كيفية إنتاج السماد العضوي.”
شكلت مروة فريقًا تطوعيًا سرعان ما بدأ بمساعدتها في تجهيز مكان إنتاج الأسمدة العضوية. تقول مروة: “كانت لحظات مليئة بالشغف والتعاون، جميعنا كنا ننتظر نجاح عملنا”. وتتابع: “بعد عملنا، استطعنا البدء في إنتاج السماد العضوي”.
ترتسم على شفتيها ابتسامة وهي تقول: “أول مرة أنتجنا فيها السماد شعرت أن جهودنا لم تذهب هباءً، وأن حلمي بتحويل النفايات إلى مورد حيوي قد بدأ يتحقق ويرى الحياة.”
تطلعات مستقبلية
لا تنوي مروة التوقف عند هذا الحد، فهي لديها خطط كبيرة لتوسيع مشروع “دويرة” ليشمل مناطق جديدة، وتطوير منتجات أخرى من الأسمدة العضوية. تقول: “أريد أن أساهم في تحسين بيئة العراق، وأن أرى مشروع “دويرة” ينتشر في كل المدن”.
التحديات البيئية في العراق والحلول المقترحة
ترى مروة، كغيرها من المهتمين بالبيئة، أن العراق يواجه تحديات بيئية كبيرة في ظل عدم التطور في هذا المجال. تقول: “نحن متأخرون جدًا في معالجة النفايات وإعادة تدويرها، ولا توجد خطط واضحة لمعالجة هذا الأمر”. تؤمن مروة بأن الحلول يجب أن تبدأ من الحكومة ثم تصل إلى المواطنين. كما تقترح حلولًا لمواجهة مشكلة النفايات:
- فرز النفايات: “يجب أن نبدأ بفرض فرز النفايات، لكي نعرف كيف نتعامل معها بشكل صحيح.”
- استخدام الأسمدة العضوية: “الأسمدة العضوية التي ننتجها يمكن أن تحل محل الأسمدة الكيميائية التي تضر بالتربة”.
- التوعية المجتمعية: “يجب على الجميع أن يدركوا أهمية إعادة التدوير وكيفية التخلص السليم من النفايات.”
- فرض بدائل صحية: “المطاعم والشركات يجب أن تستخدم بدائل للبلاستيك الذي يضر بالبيئة”.
الشباب ومستقبل البيئة
“علينا أن ندعم الشباب لابتكار حلول جديدة للمشاكل البيئية” ، تقول مروة التي تؤمن أن الجيل الشاب هو الأساس في إحداث أي تغيير في المجتمعات. وتؤكد على ضرورة الاستثمار فيهم وفي أفكارهم. وترى أيضًا أن التكنولوجيا الحديثة يمكن أن تلعب دورًا كبيرًا في هذا التحول.”
انتج هذا التقرير بدعم من برنامج قريب ميديا Qaribmedia الممول من CFI & AFD