ناس العراق

في الطريق الى بيجي

ليث كزار

اتصل بوالده. كان المجیب الآلي یردد على مسامعه في كل مرة عبارة ان الھاتف الذي تتصل به مغلقا او خارج نطاق الخدمة. جرب الآتصال بوالدته واخته. تكررت نفس الآجابة. خمن ان المعارك الدائرة هناك منذ أيام قد عطلت أبراج الخدمة الهاتفية.

كان في اربیل التي وصلھا الأسبوع الماضي للمشاركة في مؤتمر طبي عندما فوجئ بوكالات الأنباء تعلن عن اجتیاح التنظیم الآرهابي للموصل وسیطرتھم على بلداتھا وقراھا وزحفھم الى البلدات والقرى المجاورة. جن جنونه. اتصل بوالده مطالبا إیاه بمغادرة المدینة، الا ان الأخیر أخبره أن الأمور لا زالت ضبابیة وأنھم لا یعرفون ان كانت الطرق مفتوحة ام لا. طلب والده منه ان یظل حیث ھو ریثما یتضح الموقف ثم یقرران خطوتهما التالية. لم ینم سعید. أمضى ساعات اللیل بمتابعة الأخبار. كانت جمیع وكالات الأنباء تشیر الى ان مصفى بيجي محاصرا غیر أن مقاتلي داعش اتجھوا جنوبا لیستولوا على مركز المدینة وضواحیھا وانھم بدأوا بالزحف نحو باقي البلدات في محافظة صلاح الدين. عاود سعید الاتصال بھاتف والده املا ان یجیبه ھذه المرة. الرد الوحید الذي لا زال یتلقاه في كل محاولة ھو صوت المجیب الآلي الذي ما فتئ یكرر عبارة ان الھاتف المطلوب مغلقا او خارج نطاق الخدمة.

بدت الأجواء في اربیل خانقة یسودھا الخوف والترقب. الآلاف من النازحین الذین فروا من الموصل والمناطق المجاورة، یفترشون الطرقات والمئات من المراسلین الأجانب والعرب یتوافدون من كل حدب وصوب. حاول سعید أن یوقف سیل الاسئلة الذي غزا رأسه. لیس لدیه أیة معطیات عن وضع عائلته أوالوضع على الآرض في بيجي. قرر أن یحشر نفسه في اول سیارة متوجھة الى بیجي ولیحدث ما یحدث. عائلته ھناك وھو لا یعرف ان كانوا أحیاء أم لا. لن تكون حیاته أغلى من حیاتھم. أخبره اصدقائه ان یتجنب الذھاب عبر الموصل لكثرة نقاط التفتیش التي نشرھا التنظیم على طول الطریق ھناك وان الأفضل له الذھاب عبر كركوك. لحسن الحظ ان أحد زملائه الذین شاركوا في المؤتمر، من اھالي تكریت وھو الآخر قرر العودة الى اهله بآي ثمن. قرر الاثنان ان یستآجرا سیارة تكسي. اخبرھم موظف الاستعلامات في الفندق الذي ينزلان فيه، ان آخر نقطة یصلھا السائق ھي فلكة وادي النفط حیث تنتھي سیطرة القوات الكردیة، وان علیھم ان یستآجرا سیارة اخرى من ھناك لتوصلھما الى وجھتھما النھائیة. لم یملكا رفاھیة الرفض فغالبیة السائقین الذین اتصلا بھم كانوا اما یرفضون الذھاب الى المنطقة او یطلبون أجورا خیالیة.

اخبرھم السائق انھم سیغادرون مع ساعات الفجر الأولى. لا زالت الساعة تشیر إلى العاشرة لیلا. شعر سعید ان عظامه تئن من شدة التعب. لا زال ھاتف والده خارج الخدمة. نظر إلى صاحبه الذي بدا مشغولا بھاتفه. ثلاثة ساعات ھي ما یفصل بینھما وبین محطتھما التالیة لكنھا قد تستحیل لثلاثة عقود او قد تنتھي بثلاثة ثوان. لم یرغب سعید بالقفز سریعا إلى دوامة الاحتمالات المحیطة برحلتھما الآن. الھاتف اللعین الذي لا زال مغلقا یشل تفكیره ویمنعه من رؤیة الموقف بوضوح.

انطلقت السیارة مغادرة اربیل. لم یعرف سعید خط سیر السائق لكنه قرأ اللوحة الإرشادیة في نقطة التفتیش الأمني عندما توقفت السیارة وراح یتبادل حدیثا مع أحد جنود البیشمركة الذین انتشر المئات منھم علي جانبي الطریق رفقة عرباتھم العسكرية. كانت اللوحة تشیر إلى أنھم عند مدخل ناحیة التون كوبري. لم یتبین سعید ملامح المنطقة فالظلام لا زال یفرش ردائه علیھا. اطال السائق الحدیث مع الجنود. بدا واضحا انه یحاول إقناعھم بالسماح لنا بالمرور. كلانا لا یجید اللغة الكردیة فلم نعلم ما الذي أخبرھم به حتى فتحوا الطریق لنا اخیرا. لوح السائق بیده مودعا وھو یضحك ویردد عبارة ان شاء الله. ان شاء الله

لم يرغب سعيد بطرح ایة اسئلة وكذلك رفیقه. اخبرهم السائق انهم لن يواجهوا مشكلة طالما ظلوا يقودون عبر المناطق التي تسيطر عليها قوات البيشمركة وانه سيسلك طرقا نيسمية ليتجاوز اخر نقطة تفتيش عسكرية للبيشمركة لآنهم يمنعون المدنيين من عبورها . شعر سعيد بالحاجة الى كوب شاي ثقیل یبدد الصداع الذي اطبق عليه منذ لحظة انطلاقهم هذا الصباح. تشاغل بالآضواء التي بدآت ترسم ملامح المدينة التالیة. لا يعرف ان كان غفا ام ان شعوره بالإنھاك يجعله يرى خيالات.  كانت ظلال خمسة رجال یحملون اسلحة رشاشة یعترضون طریق السیارة ویمنعونھا من التقدم.

 اغلق عینيه بقوة و فتحھما عله يطرد ھذه الخیالات. كان الصباح قد انبلج. ان لم يكن مخطئا، هم في منطقة ما بین ناحیتي ملا عبدالله وفلكة وادي النفط. يبدو ان السائق قد افلت من نقاط التفتيش التي اقامتها قوات البيشمركة في المنطقة لصد هجمات التنظيم الآرهابي. من الواضح انهم دخلوا المنطقة الحرام.

طلب احدهم اوراقهم الثبوتیة. كان ینظر الیهم بریبة وحقد. اشار الیهم بالترجل. نبش رفاقه البقية، السیارة والحقائب نبشا. جروا سعيد بعیدا وراحوا يمطرونه بالآسئلة عن مصفى بيجي وعن المناطق المحيطة به ويسآلونه عن أشخاص لم يعرف معظمهم. اجلسوه أرضا الى جانب مجموعة من الركاب الذین كانوا يحاولون العودة الى عوائلهم بآي ثمن، مثله. یبدو انھم خضعوا لآستجواب مشابه.

لم یكونوا أولئك المسلحين خمسة كما كان يظن. كان عددهم أكبر من ذلك بكثیر. راح سعيد يتمعن بهم بفضول. معظمھم كانوا يرتدون قمصانا سوداء بنصف كم وبنطال قطني صحراوي اللون وحذاء رياضي ابيض. ورغم الحر الشدید إلا أنھم جمیعا كانوا ملثمین ویحملون أسلحة رشاشة حدیثة الصنع. كانوا یتوزعون في مجموعات. كل مجموعة تتولى التحقیق مع ركاب احدى السیارات القادمة او المغادرة.

لا یعرف سعيد كم مر علیه من الوقت وھو جالس ھناك. فكر انه بحاجة ملحة لكوب شاي وقطعة خبز صغيرة. يقتله هذا الصداع ويزيد التوتر الذي يشعر به من وطآة الآلم.  

صرخ أحد أولئك المسلحين بعد قلیل منبھا رفاقه الى مجيء الآمیر كما وصفه. التفت سعید ناحیة الصوت.

توقف عدد من سیارات البیك الحدیثة والتي تعلوھا رایات التنظیم الآرهابي السوداء وتحمل قرابة العشرین مسلحا وانتشروا في المكان. عدد منهم شكل طوقا بشریا حول احدى السیارات التي ترجل منھا شخص ملثم یرتدي زیا قندھاریا اسودا یعلوه صديري مدرع تتدلى منه اربعة او خمسة مخازن عتاد وجھاز لاسلكي فیما كان یؤرجح رشاش حديث بيده اليسرى.

ود سعید لو یضحك. أمیر قندھاري ھنا في ھذه البقعة من العالم؟ قال محدثا نفسه

اعطى الآمیر القندھاري تعلیمات مقتضبة الى المسلحين. راح سعید یراقبه بتمعن. لم یعرف حتى الآن ان كان یراقبه بدافع الفضول ام تزجیة للوقت. شيء ما أوقف ذاك الأمیر المزعوم فاقفل راجعا. نظر ناحیة سعید. لم يشح سعيد بوجهه. التقت نظرات الرجلين لعدة ثوان ثم غادرالآخير من حيث جاء.

 لم یفھم سعید ما حدث للتو لكنه ولسبب ما لم یشعر بالخوف. لم تقلقه نظرات ھذا الذي یلقبونه بالأمیر.

كان منھكا لدرجة تعیق شعوره بالخوف. فكر ان شعوره بالضیق یفوق كثیرا شعوره بالخوف او القلق

التفت نحو أحد الذین يجلسون قربه. ود لو یتحدث الیه. رغبته بالحدیث الآن تساوي رغبته بكوب الشاى الثقیل الذي یحلم به منذ ساعات. احنى رأسه لیخفي ضحكة افلتت من شفتیه. من ذا الذي یفكر في الشاي وحیاته على كف عفریت؟

 لم یطل مكوث سعيد طویلا في فلكة وادي النفط بعد مغادرة ذاك الذي لقبوه بالأمیر. جاء رتل من سیارات البیك اب لنقلھم هذه المرة. كان الرتل متجها نحو منطقة ما، لم يعرفها. توقفت السیارات بعد عشرين دقيقة او هكذا خيل اليه. انزلوھم امام احد المباني في منطقة بدت من القرون الوسطى. شعر سعيد ان فلما سينمائيا يجري تمثيله هناك وان الآبنية المشوهة المطلية بالآسود التي يراها، هي جزء من ديكورات ذلك الفيلم..  

 فوجئ سعید بأحد المسلحين یسحبه بعیدا عن المجموعة

 – الى این؟ سأل سعید بصوت مرتعش. وجوده مع الآخرین كان یمنحه شعورا بالطمأنینة أو ربما ھو الشعور بالمشاركة. لا یرید أن یظل وحده

نظر الیه المسلح شزرا وراح يدفعه امامه حتى ادخله احدى غرف المبنى. لمح سعید قطعة صغیرة معلقة عند الباب مكتوب علیھا الوالي. شعر بآن الآمور بدآت تآخذ منحى جدیا. امیر ووالي وولاية ورایات سود في كل مكان. این انا؟ سآل نفسه

خلت غرفة الوالي المزعوم من الآثاث عدا مكتب لا یتناسب حجمه ومساحة الغرفة الصغيرة وكرسیین متداعیین. خلف المكتب جلس رجل اربعیني ذو لحیة طویلة شعثاء. كان یرتدي قمیصا ابیضا یعلوه صدیري بني وينكب على قراءة بعض الآوراق. وقف سعید ھناك الى جانب المسلح الذي جاء به. رفع الوالى المزعوم رآسه ونظر الى سعيد بتعال قبل ان يبدآ حديثه بطريقة مسرحية متكلفة  
  – “دولتنا لا زالت فتیة وھي تحتاج لكل ابنائھا البررة لتتمكن من صد ھجمات الكفار ورد كیدھم الى

نحورھم”. قال الوالي المزعوم لسعید وكآنه یخطب في حشد من الناس. وواصل حديثه بنبرته المتعالية:

 “اعدائنا قد تكالبوا علینا وھا انت ترى ان القصف الجوي مستمر طیلة الوقت والمجاهدون وعوائلھم یحتاجون الى الرعایة الطبیة وانت طبیب كما أخبروني، وعلیه ستتولى ادارة الوحدة الطبیة ریثما تصلنا الفرق الطبیة من ولایة الرقة”.

لم يسمح ذاك الممثل البائس الذي يدعونه واليا، لسعيد بالحديث. اشار الیه بالانصراف وكأنه ینش حشرة بعیدا عنه.

 اصطحبه المسلح الذي جاء به الى مبنى صغير يتآلف من طابق واحد ويضم عددا من الغرف. اخبره المسلح الذي رافقه ان كمیة من المستلزمات الطبیة والأدویة في الطریق الیھم وان عدد من الأطباء القادمین من بقیة الولایات، سیلتحقون به قریبا.

لم یطرح سعید ایة اسئلة فالوضع اخطر من ان یآتي بتصرف غیر محسوب. أشار المسلح الذي لم ير سعيد وجهه حتى الساعة، إلى احدى الغرف. قال إنھا ستكون غرفة منام له وانه سیشغلھا حتى اشعار اخر. اخبره انھم سیزودونه لاحقا ببعض الملابس والمستلزمات الشخصیة. سأل سعید ان كان یمكنه ان یتناول كوبا من الشاي أو یأكل شیئا. أشار الشاب الى غلایة صغیرة موضوعة جانبا وضع بجانبھا كمیة من الشاي والسكر وعدة اكواب. یمكنك ان تصنع شایا ریثما اتیك بما تآكله. قال قبل ان يغادره.

من این اتى ھذا اللطف كله؟ تساءل الصوت المنبعث من داخل رآس سعيد، مستغربا

 – اصمت والا سنقتل. رد سعید علیه بحزم.

عاد المسلح ببعض الطعام الى سعید الذي ارتمى علي السریر الموجود في احد جوانب الغرفة بعد ان تحقق حلمه وشرب كوبا من الشاي الثقیل. المسلح الذي بدا واضحا انه كان مكلف بمراقبته اخبر سعید ان ضغط العمل یزداد لیلا حیث یشتد القصف الجوي ویبدأون بإخلاء الجرحى وجلبھم الى المستشفى.

 نام سعید مثلما لم ینم قبلا. كان منھكا لدرجة الإعیاء حتى انه لم یفكر للحظة بوضعه الحالي او حتى بوالدیه او بآي شيء اخر. فتح عینیه بصعوبة. كان احدھم یقف ھناك ویھز كتفه برفق. ھو لا یحلم، ھناك فعلا من یحاول إیقاظه. جفل قلیلا عندما میز ھیئة الشخص الذي جاء لیوقظه. انه ھو. الآمیر القندھاري الذي كان یتمعن في ملامح وجھه صباح الیوم. اعتدل سعید في جلسته وسط السریر. كان الآمیر القندھاري ینظر الیه وابتسامة واسعة ترتسم على وجھه.  

 ھل كل شيء علي ما یرام؟ –

– الحمد لله.

الجمت المفاجآة لسان سعيد. إنه یعرف ھذا الوجه. یعرفه جیدا. انه قتیبة ابن عمه عبدالرحمن جارھم منذ عقود. انه متآكد ان ھذا قتیبة الذي یكبره بخمسة سنین والذي طالما اعتبره أخیه الأكبر. لم يلتق سعيد بقتيبة منذ سنوات. فالرجل استقر في بغداد بعد ان انهى دراسته الجامعية والتحق بجهاز الآمن الوطني.

أدرك قتیبة ان سعید تعرف علیه. عانق الرجلان بعضھما. اشار قتیبة الى سعید لیھدآ وان یخفض صوته. اخبره ان أي تصرف خاطئ سيطيل امد بقائه في هذا الوحل وسيصعب عليه إخراجه منه. 

–  سآخبرك بثلاثة قواعد ان التزمت بھا، ستنجو وتخرج من ھنا سریعا. قال قتيبة بنبرة اخوية حانیة وھو یركز نظراته على وجه سعید.

لا تسآل، لا تعاند، ولا تجادل. سآحاول ان اخرجك من ھنا بآسرع وقت ممكن لكن الأولویة الآن للحفاظ علیك حیا.

– لماذا انا ھنا؟ وماذا تفعل انت ھنا؟ سآل سعید وھو یمعن التفكیر بما قاله قتیبة

– قلت لا تسآل، لا تعاند ولا تجادل. كلما قل ما تعرفه سیكون افضل

هز سعيد رآسه وكآنه يحاول استيعاب فكرة ما ثم قال بهمس.

– هل انت معهم؟.

– قلت لا تسآل ولا تفكر كثيرا. قال قتيبة بلهجة امرة اطلقت العنان لغضب سعيد الذي قال بتحد:
– انا في قبضتكم ولا اظن ان ھناك وضع اسوآ من ھذا، فاما ان تجیب على اسئلتي او تـآمر بقتلي وننتھي من ھذه القصة البائسة.

–  لماذا انت یائس الى ھذا الحد؟  

–  لماذا انا یائس الى ھذا الحد؟ سأخبرك. عائلتي داخل بیجي وانا لا اعرف عنھم شیئا منذ ایام وجماعتك يحتجزونني ھنا وھذا یعني ان قتلي مسآلة مفروغ منھا وفوق ھذا وذاك تجبرونني على الآلتحاق بكم والعمل معكم وھذا یعني ان لا مستقبل لي حیا او میتا

– والدیك واختك بخیر. قال قتیبة بصوت ھادئ

 الثلاثة خرجوا من بیجي صباح الآمس ووصلوا الى بیت خالك في سامراء بسلامة

 اردف قتیبة مؤكدا

 شعر سعید بمزیج غریب من السعادة والخوف. فرت الدموع من عینیه. انزاح حمل كبیر عن كاھله

حمد الله وشكره. لم یخف دموعه. مسحها بكم قمیصه وحاول تمالك نفسه. كان قتیبة یراقبه بحنو. قال محدثا سعيد

  • لن يمسك احد طالما بقيت حيا. استرح وحاول ان تنام وسنتحدث في وقت اخر

احتاج الى ھاتفي وحقیبتي وحاسوبي المحمول –

–  حاسوبك ؟ لو لا ذلك الحاسوب اللعين لما عرفوا شيئا عنك ولما خاطرت انا بكل شيء للآبقاء عليك.

لا تثق بآحد ھنا وحاول ان تتجنب ایة احادیث غیر ضروریة. قال قتیبة بحزم قبل ان یبتعد

مغادرا.

لم یكن مسموحا لسعید بمغادرة المستشفى التي كانت تعج طیلة الوقت بالمسلحين والمرضى. التزم بالقواعد الثلاثة التي حددھا له قتیبة، فكان یمضي معظم الوقت في العمل على امل ان يفي قتيبة بوعده.

. جاءه احد المسلحين بعد ثلاثة أسابيع تقريبا، ليخبره ان الآمير ابي انس يطلب جردا مفصلا بالأدویة والمستلزمات الطبیة والمعدات الموجودة في المستشفى لیرسلوه إلى دیوان الصحة على ان يكون جاهزا الليلة بعد صلاة العشاء. لم يفكر سعيد كثيرا بما طلبوه منه، فآنشغل بآعداد ذلك الجرد.

أرسل ابو انس بطلب سعید قرابة العاشرة مساء. كانت تلك المرة الاولى التي یغادر فیھا سعيد مبنى المستشفى منذ وصوله الى هنا. اقتاده ثلاثة من المسلحين الى مبنى مشابه للمبنى الذي شاهده اول مرة عند وصوله للمنطقة. خمن انه مقر لقيادات التنظيم الآرهابي.

دلف سعيد الى المبنى الذي طليت جدرانه باللون الآسود. كان يبتلع ریقه بصعوبة. ایة مصیبة ھذه التي حلت على رآسه واي موت بطيء ھذا الذي اطبق علیه؟ قال محدثا نفسه.

ادخله احد المسلحين الى غرفة واسعة فیھا مكتب خشبي كبیر وطقم ارائك ضخمة زینت مساندھا بتیجان مذھبة توحي بذوق رديء. لم ینتظر طویلا. جاء قتیبة وجلس على احدى الآرائك واشار الیه لیجلس قریبا منه.

– انت الآمير أبو انس الذي يتحدثون عنه؟ تساءل سعيد بآستغراب.

– اعرف ان عشرات الاسئلة تدور في رآسك لكن المكان والزمان غیر مناسبین لاجابتھا. رد قتيبة بصوت هادئ.

الاولویة الان لاخراجك من ھنا واعادتك الى اهلك سالما، لذلك عليك الآنتباه جيدا والتركيز فيما سآقوله لك.

 سيرسلون بطلبكم غدا او بعد غد ويعرضون عليك ان تبايعهم. لا تقاومهم وافعل ما يقولون ثم اطلب نقلك بعد ذلك الى احدى الجبهات.

مبایعة؟ جبهة؟ ما الذي تتحدث عنه؟ كلاهما تعني نھایتي. انت تعرف ھذا –

– وعدم مبایعتك تعني التعجيل بنھایتك.

–  كان بامكانك ان تآمر مسلحيك بآطلاق سراحي منذ تلك اللحظة التي رآيتني فيها.

  – لم یكن ھذا ممكنا. لو فعلت ذلك دون مقدمات، لآثرت عشرات الآسئلة عنك ولربطوا بيني وبينك وهذا يعني المخاطرة بنسف كل ما حققته حتى الآن.

– من انت وماذا تفعل هنا؟

– انا الآمير أبو انس. لا تنس هذا. قال قتيبة بنبرة محذرة.

ادرك سعيد ان قتیبة يخفي الكثير. ود لو يتآكد من تفصيلة واحدة فقط ليرتاح. هل التحق قتيبة فعلا بهذا التنظيم الآرهابي الموغل بالدماء ام انه في مهمة؟. هز رآسه. فكر ان عدم معرفة إجابة هذا السؤال يمنعه من الثقة بقتيبة. نظر اليه بنفاد صبر. سآله بنبرة صوت يائسة

ھل ترغب بمساعدتي فعلا أم أنك تسعى لتوریطي أكثر؟ –

 – ھل أنت مجنون؟ أي توریط ھذا الذي تتحدث عنه؟

– انت تعرفني جيدا. ان لم افهم ما يحدث فلن اجاريك وسنضيع كلينا.

– ما الذي تريد ان تفهمه؟ لماذا جاءوا بك الى هنا؟ ببساطة لآن الحاسوب الذي تحمله لفت انتباههم ثم عرفوا انك طبيب.

– ليس هذا ما يشغلني. انت الذي تشغلني الآن. من انت وماذا تفعل هنا؟

– سعيد. عليك ان تثق بي لتخرج من هنا. ماذا افعل هنا ولماذا؟ هذه لا تعنيك. يكفيك ان تعرف انني اجازف بالكثير لمجرد تبادل هكذا حديث معك. حياة الكثيرين على المحك وعمل سنوات قد ينهار بسبب تصرف غير محسوب مني. لا استطيع ان اخبرك بآكثر من هذا فتصرف بنضج واقبل بما عرفته حتى الآن.

 في كل الآحوال أنت لا تملك خیارات عدیدة. أما آن تثق بي لتخرج من ھنا او تظل ھنا وستقتل لا محالة.

كان على سعید ان یحسم امره. قتیبة ھو الوحید الذي یمكن له ان يخرجه من هذا الوحل كما يصفه، لكن علیه ان یفھم بعض التفاصیل.

أجبني اولا، لماذا علي ان ابايعهم؟ –

– لسببین. الآول لنكسب بعض الوقت والثاني ليسمحوا لك بالتنقل بحریة بين المناطق التي يسيطرون عليها بآعتبارك صرت واحدا منهم.

الا یمكن ان یتحقق ھذا دون ما يسمونه بیعة؟  –

– بم يضيرك ترديد بضع كلمات لا قيمة لها ولا وزن؟

لم یستطع سعید النوم. كثیرة ھي المفاجآت التي تلقاھا تلك اللیلة. شيء ما في داخله یخبره ان قتیبة لا ينتمي لهذا التنظیم الكريه. أفكاره وكلماته لا تمت لھؤلاء القتلة بصلة، لكنه مستعد ليدفع نصف ما تبقى من عمره ليعرف كيف اخترقهم قتيبة لهذا المستوى؟

. قرر أن ینام الآن ویفكر في موضوع قتيبة والبيعة السخيفة التي تحدث عنها، لاحقا.

مر اسبوع قبل ان یطلبه قتيبة مجددا

كان یجلس خلف المكتب ھذه المرة. لم یطلب من سعید ان یجلس. بدآ حدیثه عن مستلزمات طبیة وأدویة قال إنھا كانت تنقص دون مبرر. غادر مكتبه وكآنه كان راغبا بتمشیة ساقیه. طلب من سعید ان یتمشى معه

 ما ان باتا في الباحة الخارجیة للمبنى حتى ھمس قائلا دون ان يلتفت الى سعيد.

  – سیتم ارسالك في مھمة میدانیة الى احدى القرى القريبة، وقد تمضي عدة لیال ھناك. سیأتیك شخص من طرفي ویخبرك بما علیك فعله. كلمة السر ھي اسم مدرستك الابتدائیة.

 مشي قتیبة مبتعدا. طلب من احد المسلحين ان یعید سعید الى المستشفى، وقبل ان یعود ادراجه قال لسعید

حتى یحین الموعد یفضل ان لا تغتسل وان لا تشذب لحیتك.

 كان قتیبة یتحدث بصوت واطئ لكنه رفع صوته فجآة لیقول

خذ ھذه الاوراق وعد الى مكانك. ھذا الھدر غیر مسموح به وستكون عواقبه وخیمة ان تكرر.

 ما الذي یدور في رأس قتیبة؟ مر أسبوع كامل دون أن یحدث شيء. فكر سعيد أن قتیبة قد نسی امره في زحمة انشغالاته.
كان قد عاد الى غرفته قبل قلیل. جاءه أحد المسلحين لیخبره أن أمرا ورد من دیوان الصحة في ولایة كركوك، یقضي بذھابه إلى المنزلة لتأھیل المركز الصحي ھناك وإعادة فتحه لیقدم الخدمات الطبیة للأھالي وعوائل المقاتلین.

 إذن فقد حانت ساعة الصفر، قال سعید محدثا نفسه.

 لم يكن الوضع في المنزلة صاخبا كما هو الحال في المكان السابق، فمعظم الآهالي غادروها بعد ان سيطر التنظيم على المنطقة. كان سعيد یمضي النهار بالعمل في المركز الصحي ويعود لينام في بيت صغير استولى عليه المسلحين بعد نزوح أصحابه. ما عادت المراقبة عليه مشددة كما كانت في البداية. حتى انهم صاروا يتعاملون معه كواحد منهم ويتركونه أحيانا ليبيت وحده في البيت. مر اسبوعان دون ان يسمع شيئا من قتيبة او يتواصل معه احد. أوقظه أحدھم في اللیلة الخامسة عشرة وطلب منه ان یرافقه. تردد سعید فھمس الرجل بكلمة السر المتفق علیھا. بدا الرجل الذي أوقظه خبيرا في دروب تلك المنطقة. قاده عبر مبازل جافة ومتروكة منذ سنوات حتى وصلوا الطریق الرئیسي العام الذي یربط بین مركز كركوك والمنزلة .

صارا یمشيان بمحاذاة الطریق الآسفلتي معظم الوقت، ویختفيان في المبازل كلما لمحا اضواء سیارة قادمة من بعید. مرت عدة ساعات قبل ان یتوقف صاحبه ویشیر الیه لیعبر الشارع الى الجانب الآخر حیث ینتصب ھیكل كبیر لمنزل شبه مدمر یتوسط ارض زراعیة مترامیة الآطراف

  – سنتوقف ھنا. لم یعد ممكنا مواصلة السیر دون ان یروننا. اظنك متعبا. اتبعني

فوجئ سعید بآن الرجل یعرف مداخل المنزل ومخارجه كفآر یعرف المسارات السالكة في اي مبنى. تسلل من أحد الشقوق نحو الداخل وتبعه سعید. المفاجئة الحقیقیة كانت بوجود افرشة وطعام وماء وموقد غازي صغیر في احدى الغرف التي لم یطلھا الدمار. فھم سعید ان المھربین حولوا البیوت المتناثرة على جانبي الطریق والتي دمرھا القصف الجوي، الى ملاذات امنة مجھزة بكل ما یحتاجونه.

أخبره الدليل انھما سيقضيان بعض الوقت ھنا ريثما يقرران خطوتهما التالية. كان سعيد منھكا وعطشا ولا یملك طاقة لآیة احادیث. التهم ما قدم الیه رفيقه من طعام ثم غط في نوم عمیق.

 صحى سعید بعد بضعة ساعات لم یعرف عددھا. تلفت حوله. لم یكن ھناك اثرا لدليله. لم یرغب بالمجازفة بالخروج من مخبأه، فجلس ھناك ینتظر.

 دلف الرجل الى حیث یجلس سعید وناوله ھاتف نوكيا صغیر اسود. طلب منه ان یتصل بوالده لیطمئنه ویخبره ان ینتظرھم في ناحیة الملا عبدالله. بدا واضحا ان قتيبة اهتم بكافة التفاصيل.  

– ماذا الآن؟ سأل سعید وھو یحاول ان یتخلص من براثن شعور بالضیق اطبق على صدره.

لا یعرف سبب ھذا الشعور أو مصدره. یفترض انه بات قاب قوسین أو ادنى من نیل حریته، فما سر ھذا الشعور؟ اخبره الدليل أنھما لن یتحركا حتى یحل الظلام. امامھما لیلة اخرى من المشي لیصلا الى فلكة وادي النفط حيث یكمن الخطر الحقيقي. قال الدليل والذي عرف سعيد لاحقا ان اسمه منصور.

اقام المسلحون نقطة تفتيش كبيرة عند هذا التقاطع. اخبره منصور. ان عبروها بسلام فسيصلان الى ناحية الملا عبدالله حيث تنتشر قوات البيشمركة وينتهي هذا الكابوس.

كان منصور ثرثارا یرفض أن یصمت. استغرب سعید من تركیبة ھذا الشخص. المهرب المقدام الذي قاده لساعات طویلة عبر مناطق نائية وخطيرة تحت جنح ظلام شبه دامس بخفة ولیاقة عالیة دون ان یكل او یمل ودون ان یضیع ثانیة واحدة في حدیث غیر ضروري، وبین ھذا الشخص الذي یجلس أمامه الآن والذي یتحدث عن كل شيء وفي كل شيء بسذاجة ودون توقف.

 أنھى منصور صلاة المغرب. اخبر سعید انھما سیتحركان بعد ساعة لیصلا الى فلكة وادي النفط قبل الفجر. رمى الیه بصرة صغیرة. قال انها تحوي ملابس على سعيد ان يرتديها عندما يخبره ليبدو من أهالي هذه المناطق فلا يثير حفيظتهم.  انطلق الرجلان یمشیان بمحاذاة الطریق الرئيسي. كان منصور یتقدم سعید بعدة أمتار كما فعل في اللیلة الماضیة، الا انه عاد لیمشي الى جانبه عندما لاحظ انه بدآ یتعب وان لیاقته البدنیة بدأت تخذله. راح منصور یتحدث عن مغامراته. باتت انفاس سعید تضیق وخطواته تتباطئ. توقف الرجلان عدة مرات لیستریحا قلیلا. شعر سعید ان ساقیه لم تعودا تحملانه. ود لو یضعھما في حوض ماء بارد لیطفئ سعیر الآلم الذي اشتعل فیھما. اخبره منصور ان علیھما ان یواصلا المسیر فاخر ملاذ امن في ھذا المنطقة بات خلفھما ولا یمكن العودة الیه. كل ما یحتاجانه الآن ھو ان یقطعا المسافة المتبقیة في ساعتین لیصلا في الوقت المناسب.

 النصف ساعة التي تسبق صلاة الفجر ھي الوقت المناسب بالنسبة لمنصور. حینھا یكون عدد المسلحين في نقطة التفتیش ھو الآقل وھؤلاء سیكونوا منھكین وينتظرون بفارغ صبر ان يسلموا المسؤولية للمجموعة البديلة.

صار سعید یجر ساقیه جرا. راح منصور یحثه على الصمود. اخبره ان والده ھناك ینتظره على الجانب الآخر. حتى انه عرض علیه ان یتصل ھاتفیا بوالده لتشجیعه. تحامل سعید على نفسه وعض علي شفتیه. كان یحاول اخفاء دموعه التي تمردت علیه وصارت تنساب دون اذن منه. اتراه یبكي الما، ام انه الخوف الذي بدآ يكشر عن انيابه؟

اخبره منصور ان اضواء المنطقة القریبة من فلكة وادي النفط بدآت تتضح شیئا فشیئا وان المسافة المتبقیة اقل من اربعة كیلومترات. بركا في احد المبازل. طلب من سعید ان یغیر ملابسه الآن ریثما یجري مكالمة ھاتفیة. فتح سعید الصرة التي كان یحملھا على ظھره طیلة الوقت. وجد فیھا دشداشة بالیة زرقاء اللون ونعل جلدي. ارتداهما دون ان ينبس بشفة. انھى منصور مكالمته. قال یحدث سعید

ان حدث شيء فآن اسمك حمد وانت من اھالي المنطقة وذاھب الى الناحية لزیارة ابناء عمومتك. خذ ھذه الھویة واحتفظ بھا لتستخدمھا عند الحاجة.

ستأتي سیارة الآن لتقلنا. ابق ھادئا عندما نقترب من نقطة التفتيش ولا تتحدث الا اذا وجھوا لك سؤالا وعندما تجیب لا تتحاذق ولا تجب بآكثر مما یجب.

 انھى منصور توجیھاته بنفاد صبر. بدا قلقا ویكثر النظر الى ساعته. ومضت شاشة ھاتفه النوكيا الصغير. كان احدھم یتصل به. اجاب بصوت مرتعش

–  نحن قبل نقطة التفتیش الآخیرة. ستصل السیارة التي ستقلنا بعد قلیل. سآتصل بك حالما نصل الیھا. حسنا سآنتظرك. لن نتحرك حتى یردني اتصالك. ھكذا افضل.

نظر سعید الى وجھه مستفھما الا انه تظاھر بعدم الفھم واشاح بوجھه بعیدا. منصور الثرثار الذي لا یقفل فمه، قرر ان یصمت الآن.

توقفت سیارة بیك اب متسخة وقدیمة قریبا منھما. خرجا من مخبئھما واسرعا الیھا. جلس منصور في المقعد الآمامي فیما ارتمى سعید في المقعد الخلفي. قال منصور محدثا السائق

– لا تسرع. قد السیارة على مھل وعندما اقول لك الآن، انطلق مسرعا.


صارت المسافة الفاصلة بین سیارتھم ونقطة التفتیش تقل شیئا فشیئا. بدأوا یمیزون ملامح الأبنیة القریبة. شعر سعید ان قلبه یكاد یتوقف. لم یعد یفصل بینھم وبین نقطة التفتیش التي أقامها المسلحون غیر بضعة مئات من الآمتار. احكم منصور قبضته اليسرى على هاتفه فيما كانت عیناه تتعقبان حركة الحراس المنتشرین في نقطة التفتیش

 ومض ھاتف منصور لعدة مرات

التفت الى الوراء. كان رتل طویل من سیارات البیك اب الحدیثة التي ترفع الرایات السوداء یمر بجانبھم مسرعا. توقف الرتل عند نقطة التفتیش. لكز منصور السائق وطلب منه ان یسرع الآن بآتجاه نقطة التفتیش وان یتوقف بمحاذاة الرتل. وصلت السیارة الى النقطة خلال اقل من ثلاثین ثانیة. توقف السائق حيث أشار منصور. وصول الرتل احدث فوضى كما یبدو في نقطة التفتیش. اشار احد الحراس الى السائق بالتحرك والآبتعاد عن الرتل.

– انطلق. قال منصور بصوت حماسي محدثا السائق
لم یصدق سعید ما حدث. ھل عبروا فعلا فلكة وادي النفط ؟ صفق منصور فرحا. التفت سعید الى الوراء. كان یرید ان یصدق انه افلت من ھذا الكابوس

– علیك ان تشكر صدیقك فقد قدم لك خدمة العمر. ھذا الرجل فعل لك ما لا یفعله أخ لأخیه في مثل هكذا ظروف. قال منصور محدثا سعيد.

فھم سعید أن ما حدث قبل قلیل كان من تدبير قتيبة

منصور الذي انفرجت اساريره راح يعوض ساعات الصمت السابقة، فانطلق يتحدث عن بطولاته في تهريب الآشخاص عبر هذه المناطق خلال الآشهر الماضية. طلب منه ان یتصل بوالده ویخبره بآخر المستجدات وان یطلب منه ان ینتظرھم في مطعم اعتاد ارتياده في ناحية الملا عبدالله. كانت المسافة الفاصلة بین فلكة وادي النفط ونقطة التفتیش الرئیسیة التي تدیرھا قوات البيشمركة عند مدخل الناحية لیست أكثر من ثلاثة كیلومترات الا ان كثرة الحواجز الترابیة التي وضعها الآهالي والمسلحين ھناك تعيق حركة السيارات وتضاعف الوقت اللازم لآجتيازها لآكثر من عشر مرات حيث يضطر سائقو السيارات للقيادة في طرق نيسمية فرعية  ملتوية وصولا الى نقطة التفتيش الرئيسية. فكر سعید ان اخر مرة مر من ھنا كان محملا بمخاوف وحقیبة ملابس صغیرة، لكنه الیوم عاد محملا بمخاوف وحزمة من التھم وھویة مزورة.  انحرف السائق في احد الطريق الفرعية. فوجئ بوجود عدد من السيارات المدنية التي تصطف على الجانبين فيما يقطع الطريق عدد من المسلحين الذين يرتدون ملابس مدنية لا تكشف عن هويتهم. اضطر السائق ان يتوقف. لم يكن هناك منفذا قريبا لتجنب هؤلاء.

طلب احد أولئك المسلحين الآوراق الثبوتية للرجال الثلاثة. راح يتفحص وجهي منصور والسائق ويقارن بينهما وبين صورتي الهويتين. حان دور سعید. بدا واضحا انه مرتبك وخائف وكآنه يخفي شيئا. سآله المسلح عن اسمه دون ان يبعد عينيه عن وجهه. تلعثم سعيد ونسي امر الهوية المزورة والآسم الجديد الذي يحمله. أقترب مسلح اخر من السيارة وأشار للثلاثة بالترجل والذهاب معه. حاول منصور ان يقول شيئا الا ان اخمص بندقية احدهم اسكته سريعا.

منذ ذلك اليوم ووالد سعيد ينتظر هناك في احد مطاعم ناحية الملا عبدالله عله يلمح طيف ابنه الذي اختفى هو ومن معه قبل سنوات ولم يعرف عنه شيئا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى