عاصمة القيمر في ديالى تنعى امجادها
كيف تخلى الرجال والنساء عن مهنة اجدادهم؟
استبرق الزبيدي – ديالى
“لن يستغرق الامر طويلا حتى تخلو القرية من جميع الجواميس”. بهذا التوقع يعلق راشد إبراهيم على التدهور المستمر لأوضاع مربي الماشية في قرية المعدان التابعة لناحية العبارة في قضاء بعقوبة، تلك القرية التي طالما رفدت محافظة ديالى بأجود أنواع القيمر والجبن ومشتقات الحليب على مدى عقود.
يقف مربي الجاموس “راشد ابراهيم” حزيناً وسط حقله مع ما تبقى من جواميس للحديث عن ما احدثه التغير المناخي في قرية المعدان- بعقوبة\ديالى . التقطت الصورة لشرق العراق بعدسة مروان الفجر
فيقول مربي الماشية المخضرم، “كان كل مزارع في القرية يملك ما بين خمسة عشر الى اربعين رأس جاموس في السابق، اما الان فلا تتجاوز رأسين او ثلاثة بحوزة أحدهم”.
ويضيف إبراهيم، “قلت رؤوس الماشية وقل معها عدد سكان القرية، انهم يرحلون تدريجيا عنها الى أماكن أخرى بعد ان هجروا أولا أعمالهم المتوارثة منذ أجيال عديدة”.
وتشكو قرية المعدان احدى قرى محافظة ديالى من ظروف بيئية سيئة نجمت عن التغيير المناخي الحاصل، وما رافقه من شح كبير في تدفق مياه نهر ديالى الذي كان ولا يزال عصب الحياة للقرى الواقعة على ضفافه.
اذ تأثرت ديالى اسوة ببقية مدن العراق بالتغيير المناخي، وتبين الدراسات العالمية ان العراق أحد اكثر دول العالم تأثرا بتداعيات ظاهرة الاحتباس الحراري.
يقول إبراهيم، “تسببت موجات الجفاف المتعاقبة بنفوق اعداد كبيرة من الماشية مما اضطر مربيها الى بيع القسم الأكبر المتبقي منها لتدارك الكارثة”.
مشيرا، “هذه الحيوانات ترعى داخل وعلى ضفاف الأنهار ومع جفاف نهر ديالى وقلة المرعى ولا يمكن لها ان تعيش بعيدا عن المياه.
وتكشف دراسة بيئية اجرتها مديرية بيئة ديالى ان مياه نهر ديالى بات رديئا للغاية ونسبة تلوثه فاقت ما معدله 60%، فيما اشارت الدراسة الى ان 60 الى 70% من مياه النهر مصدرها شبكات الصرف الصحي والمبازل التي تصرف مياه البساتين المالحة.
ولطالما اشتهرت هذه القرية بصناعة وتسويق مشتقات الحليب الفاخرة، كالقيمر والاجبان بالإضافة الى الحليب.
تظهر في الصورة الحاجة علية جباره وهي تبيع ما صنعته من القيمر هذا اليوم وسط سوق منطقة السادة في بعقوبة وهي تجلس امام فرن للصمون هناك. التقطت الصورة لشرق العراق بعدسة مروان الفجر
الحاجة عليه جبارة، احدى سكان القرية التي تعمل منذ عقود في بيع ما تنتجه من مشتقات الحليب في سوق بعقوبة، تشير الى ترك معظم النسوة هذه المهنة لعدم جدواها.
فتقول، “أكثر من نصف النسوة تركن العمل في هذه المهنة بشكل تدريجي بسبب قلة الانتاج”. موضحة، كان عددنا يفوق سبعين امرأة”.
وتتابع، “كنت في السابق أنتج ما بين أربعة الى ستة كيلو غرام من القيمر والجبن، اما حاليا لا يتجاوز ما اصنعه كيلوين فقط”.
وتعلق، “اضطررنا الى بيع اغلب رؤوس الماشية بسبب ندرة الاعلاف”.
القرية التي اعتاد شبانها على رعاية الماشية باتوا اليوم يبحثون عن فرص عمل أخرى بعد ان وجدوا أنفسهم عاطلين.
فيما كان لارتفاع أسعار الاعلاف وغياب الدعم الحكومي اشكالا فاقم من ازمة سكان قرية الحكيم.
فيقول إبراهيم، “ترك ولدي الوحيد مهنة الرعي وتوجه للعمل في المدينة”.
ويضيف، “كانت الماشية في السابق تتغذى على الحشائش التي تنمو على ضفاف النهر، اما حاليا فنشتري الاعلاف على الرغم من ارتفاع أسعارها”.
مستدركا، “نصف ما يحصل عليه ولدي من أجور العمل يشتري بها علفا لما تبقى من رؤوس الماشية”.
ويطالب إبراهيم السلطات العراقية بضرورة إيلاء الالتفات الى شؤونهم. مشيرا، “هذه المهنة كانت تؤمن الرزق لآلاف المواطنين في العراق”.
وبحسب احصائية حصلت عليها شرق العراق من قسم الثروة الحيوانية في دائرة زراعة ديالى فأن هنالك فرقاً شاسعاً يمكن ملاحظته بإعداد الجواميس والمواشي ما بين 2019 و 2024 حيث ان عدد الجواميس في مركز بعقوبة سنة 2019 بلغ 4325 بينما يبلغ عددها بحسب احصائية العام الحالي 1207 جاموسة، وكذلك الحال بالنسبة للأبقار والمواشي فأن عدد الابقار سنة 2019 بلغ 27189 بينما الان عددها 7580،”و يعد هذا مؤشرًا خطراً يدل على تناقص كبير وتهديد لبقاء صناعة القيمر ومنتجات الحليب من البان واجبان في بعقوبة “بحسب مدير اعلام زراعة ديالى محمد المندلاوي.