“اخطر من كورونا” .. السوسة تفتك بنخيل ديالى
احمد نجم
رغم هيئتها البريئة والوديعة الا ان حشرة السوسة الحمراء تمكنت من ان تصبح كابوسا لمزارعي النخيل في ديالى وخاصة في قرى المقدادية حيث اسقطت الكثير من اشجار النخيل الشامخة والمتميزة باستقامتها الانيقة ، فبعد ان تخترق الحشرة جذع النخلة السفلي وتتكاثر داخل نسيجها تحول الجذع الى ما يشبه الانبوب المجوف فيسقط ارضا مع اقرب دفعة هواء.
في بستان صغير بقرى الكيلوات ( شرق المقدادية) وجد ” ابو رضا” قبل نحو 6 اشهر احدى اشجار النخيل ساقطة على الارض بشكل مفاجئ ثم تبعتها نخلة اخرى بعد ايام ليكتشف لاحقا ان بستانه قد اخترقته حشرة السوسة الحمراء التي تصنف كحشرة فتاكة بالنخيل وشديدة الخطورة وسريعة التكاثر والانتشار.
وصلت خسائره من النخيل نحو (13 نخلة) ، رغم ذلك فهو سعيد بتمكنه من انقاذ باقي النخلات بفضل المبيدات التي صار يسقي بها الاشجار دوريا ، كما ان حاله افضل من مزارعين اخرين فقدوا اضعاف ما فقده “ابو رضا” ولا يزالون يكافحون من اجل الحفاظ على ما تبقى.
لم يكن العراق موطنا لحشرة السوسة الحمراء قبل العام 2015 حين اكتشفت في البصرة اولا في فسائل مستوردة من دول الخليج ومنذ ذلك الحين دخل مزارعي النخيل في العراق بصراع وجودي مع هذه الحشرة ، وكانت ديالى رغم كونها اكثر المحافظات العراقية نخيلا قد دخلتها الحشرة نهاية العام الماضي.
والسوسة الحمراء افة حشرية قاتلة للنخيل تتواجد في البلاد المجاورة للعراق منذ الثمانينيات وتمر فترة حياتها باربعة اطوار ( بيوض ، يرقات ، عذارى ، حشرة كاملة ) والاطوار الثلاث جميعها تتغذى على انسجة النخيل الداخلية لكن طورها اليرقي اشد فتكا.
وتتكاثر بسرعة فائقة وبمتوالية هندسية كبيرة اذ تضع كل حشرة كاملة 200-300 بيضة كل بيضة منها تتحول الى حشرة كاملة قادرة على التزاوج بعد ثلاثة اشهر مما يعني امكانية تكاثر الحشرة الواحدة الى مئات الالاف من الحشرات خلال اقل من سنة.
يعمل زيد الجبوري مهندسا زراعيا في قرى الهارونية شرق المقدادية ويقول في حديثه لشرق العراق ان بؤرة الاصابات في المحافظة تتركز في المقدادية وانطلقت في البداية من مزرعة حديثة للزراعة النسيجية ثم سرعان ما انتشرت في المناطق القريبة وخاصة في قرى الكيلوات والعبارة شرق المقدادية.
وما يزيد من انتشار السوسة هو وجود الكثير من البساتين المهملة والمهجورة نتيجة الظروف الامنية التي مرت بها المقدادية في العقدين السابقين حيث اصبحت نخيلات هذه البساتين المليئة بالادغال والحشائش موطنا مفضلا للحشرة القاتلة التي تستطيع الطيران لمسافة لمسافة 1 كم لكل قفزة.
تخوض الفرق الزراعية الحكومية في ديالى صراعا شرسة لمواجهة التكاثر المفرط لهذه الحشرة رغم الدعم الخجول كما يصفه مدير شعبة الوقاية الاستاذ علي عبد الله.
غالبا ما تتمكن الفرق الزراعية من انقاذ النخيل المصاب فيما لو اكتشفت الاصابة بشكل مبكر من خلال حقن جذع النخلة المصابة بمبيد جهازي ورشها بنوع اخر من المبيدات مع وضع اقراص الفوستوكسين داخل الجذع وقد تمكنت الفرق الزراعية حتى الان من انقاذ نحو 700 نخلة مصابة بهذه الطرق.
يقول مدير الوقاية لشرق العراق ان وزارة الزراعة وفرت مبيد الرش والاقراص لكن المبيد الجهازي يضطر الفلاح لشرائه من الاسواق المحلية.
يتطلب الاكتشاف المبكر للاصابة متابعة مستمرة من قبل المزارعين ومراقبة لجذوع النخيل خاصة الفسائل الصغيرة والنخيل المتوسط الارتفاع حيث تفضل السوسة هذه الانواع لسهولة اختراق الجذوع ، وتفرز النخلة المصابة سائل من اسفل الجذع يكون لونه اصفر ثم يتحول للاحمر كأحدى الوسائل الدفاعية ضد الحشرة.
في الحالات المتقدمة من الاصابات يرصد المزارعون الاصوات الصادرة من جذع النخلة والتي تشبه صوت نقر الخشب كدلالة على استمرار الحشرات بالتغذية على النسيج الداخلي للنخلة.
لم تسجل حتى اللحظة اصابات في بساتين المناطق الاخرى للمحافظة باستثناء المقدادية والوجيهية لكن المصائد الفرمونية التي وضعتها دائرة الزراعة في اطراف بعقوبة والخالص اصطادت بعض حشرات السوسة من دون الوصول الى اشجار نخيل مصابة حتى الان.
وتعمل المصائد الفرمونية على اصدار روائح خاصة تجذب سوسة النخيل الحمراء من مسافات بعيدة ثم تقتلها وتعتبر من الوسائل التقليدية للتحري عن وجودها في المزارع.
ويرى مدير الوقاية ان الاجراءات المتخذة حتى الان ساهمت في الحد من انتشار سوسة النخيل لكنها لا ترتقي لخطورة الموقف الزراعي الذي يتطلب اعلان حالة الطوارئ زراعيا لتوفير الدعم اللازم المؤسسات الزراعية من موازنة الطوارئ وتطبيق قرار الحجر الزراعي لمنع نقل الفسائل داخليا من المناطق المصابة وخارجيا لتجنب ادخال فسائل مصابة مستقبلا.
ويتوقع الخبير الزراعي عدي الربيعي ان تتمدد الاصابات في عموم بساتين العراق بسبب قدرتها الهائلة على التكاثر والطيران خاصة اذا ما استمرت اجراءات مواجهتها اقل من حجم التهديد الذي تشكله.
يقول الربيعي وهو يتأمل في صور جثث النخيل الملقاة على الارض ” بالنسبة لي اعتبرها اخطر من وباء كورونا “
ولا تزال النخلة العراقية بعيدة عن استعادة مكانتها التاريخية في بلاد الرافدين اذ تراجعت اعدادها بدء من الثمانينات بسبب الحرب العراقية الايرانية مرورا بالظروف الامنية بعد عام 2003 التي تركت الاف البساتين الشاسعة من دون رعاية واهتمام بالإضافة للتوسع السكاني على حساب بساتين النخيل في عموم المدن العراقية.