أحمد نجم
رغم الحجم الصغير للديدان، لكنها يمكن أن تؤدي جهوداً عظيمة في حل بعض مشكلات التلوث البيئي والإنتاج الزراعي والتخلص من النفايات بطريقة آمنة بيئياً، بالإضافة إلى استخدامها كغذاء عالي البروتين بالنسبة للطيور والأسماك.
يقدم قيس جليل، هشام أبو أحمد، إسماعيل المشهداني تجارباً غير مألوفة في إقامة مشاريع مختلفة لتربية عدة أنواع من الديدان والحرص على تكاثرها واستثمارها اقتصادياً ليصبحوا بذلك من أوائل مربي الديدان في ديالى.
إنتاج الفيرمي كمبوست
قبل سنوات، لاحظ المهندس الزراعي قيس جليل الأضرار التي تسببها الأسمدة الكيميائية للبيئة والنبات والإنسان وتسببها بالكثير من الامراض لاسيما السرطانية منها. وفي سياق بحثه عن حلول لهذه المشكلة توصل الى الحل السحري المتمثل بانتاج سماد عضوي ناتج من مخلفات الديدان.
يعتمد قيس في مشروعه على إنتاج السماد العضوي المعروف بـ “فيرمي كمبوست”، أي سماد الدود، على نوع من الديدان يسمى Red Wiggler ويعني “الدودة الحمراء”. وهذه الديدان، التي يتراوح طولها من 4-14 سنتيمتراً ولونها بني يميل إلى الاحمرار، تستطيع أن تحول المواد المتعفنة ومخلفات النباتات والحيوانات إلى سماد عضوي طبيعي يساعد في تدعيم التربة بالعناصر الطبيعية.
“فيرمي كمبوست” يعتبر سماداً عضوياً نقياً، خالياً تماماً من أي مواد كيميائية، “حتى مخلفات الحيوانات فيها نسبة مواد كيميائية تأتي من البرسيم والأعلاف التي تتناولها أو من الأدوية”، يقول قيس ذلك وهو محاط بحظائر تربية الديدان الحمراء.
بدأ قيس بتربية الديدان قبل خمس سنوات كجزء من مشروع استثماري ضمن محطة أبقار الخالص شمال غرب بعقوبة المختصة بإنتاج الحليب والألبان. في البداية، بدأ بتربية الديدان ضمن مساحة لا تتجاوز 4 أمتار مربعة، لكن بسبب تكاثرها السريع وعوائدها الاقتصادية أصبحت هناك ثلاث قاعات كبيرة مقسمة بهيئة قواطع تحتوي على الملايين من الديدان الثمينة، التي يبلغ سعر الكيلوغرام الواحد منها نحو ثلاثمائة ألف دينار.
قيس جليل، مهندس زراعي متقاعد ويحمل شهادة الدكتوراه في إدارة الإنتاج الحيواني، ويعمل حالياً مديراً للمشروع، يقول في حديثه لـ “شرق العراق” إن دافعه الإنساني وراء اختيار هذا المشروع هو: “أصيب أربعة افراد من عائلتي بالسرطان من بينهم زوجتي وهذا ما دفعني للبحث والتقصي عن الأسباب وإيجاد الحلول،أريد أخلّص الناس من التلوث الكيميائي، حتى طعم النبات اختلف، مو بس تأثيره الصحي.”
والتأثير الكيميائي لم يسبب ضرراً للتربة والنبات فقط، بل وصل إلى المياه الجوفية كما يقول جليل: “نسبة النتريت بالمياه الجوفية صارت عشرة أضعاف النسبة الطبيعية بسبب اليوريا”. بالمقابل، فإن البديل الذي يقدمه، وهو السماد العضوي الناتج عن تربية الديدان، يغذي النبات بشكل أفضل من السماد الكيميائي ويحمي الأرض من أي أضرار.
كما يمكن للأرض الزراعية أن تعود لطبيعتها وتستغني عن جميع أنواع الأسمدة بعد خمس سنوات من استخدام الأسمدة العضوية، لأنها ستكون غنية بالعناصر الطبيعية، كما يقول قيس مستنداً بذلك على أبحاث علمية مختصة. بالإضافة إلى ميزة استثنائية أخرى، وهي تقليل استهلاك المياه بنسبة 30-40% بسبب احتفاظ “فيرمي كمبوست” بالرطوبة.
دورة حياة الديدان
وبسبب دورة الحياة السريعة لهذا النوع من الديدان، فإن عددها يتضاعف كل ثلاثة أشهر. الدودة الواحدة خنثى، أي تحتوي على أعضاء تناسلية ذكرية وأنثوية، ويتم التلقيح المتبادل مع دودة أخرى. بعد ذلك، بأسبوع، تنتج اليرقة التي ينتج منها بعد عشرين يوماً 3-5 ديدان جديدة تكون قادرة على الإنتاج والتكاثر والتزاوج بعد مرور شهرين.
تأكل الديدان يومياً بمقدار وزنها تقريباً، وتنتج ربع كمية الغذاء سماداً عضوياً، حيث إن الكيلوغرام الواحد ينتج يومياً ربع كيلوغرام من “فيرمي كمبوست”. أما تغذيتها، فتعتمد بشكل أساسي على مخلفات الأنواع المختلفة من الخضار والفواكه، خاصة المتعفنة منها، بالإضافة إلى الورق، الكرتون، المخلفات الحيوانية، وأوراق الأشجار التالفة.
يبذل قيس جهوداً كبيرة للتعريف بمشروعه وأهميته بيئياً، فهو ينظم الكثير من المحاضرات والورش في عدة مؤسسات عراقية وعربية، ويسعى لإقناع وزارة الزراعة بتشجيع الفلاحين على إنشاء مشاريع صغيرة مشابهة لمشروعه في مزارعهم حتى يستخدم الفلاح السماد لمزرعته، فيما يتعهد هو بتدريبهم وتقديم الاستشارة العلمية. لكن أي من مقترحاته وخططه لم تُؤخذ على محمل الجد من الجهات الرسمية: “طلبت فحص الأسمدة من وزارة الزراعة لغرض اعتمادها كسماد رسمي حتى يكون الفلاح أكثر ثقة باستخدامه، لكن لم يحصل أي تحرك.”
يباع الطن الواحد من سماد “فيرمي كمبوست” حالياً بـ 750 ألف دينار، وهو أقل بكثير من السماد الكيميائي المستورد. ويعمل قيس حالياً على تطوير عمل المشروع من خلال تحويل أعمال الرش والفرز وجمع ونقل الأسمدة بالاعتماد على تقنيات ميكانيكية مصممة محلياً، ومحاكاة لنماذج عالمية.
التهام النفايات
هذا النوع من الديدان، وأنواع أخرى، يُطرح عالمياً كواحد من أهم الحلول المستدامة لمعالجة النفايات، إذ يمكن تحويل 66% من النفايات عن طريق أمعاء هذه الديدان إلى أسمدة عضوية. ووفقاً لدراسة قدمها المهندس الزراعي قيس جليل للجهات المختصة، يمكن إنتاج مئات الآلاف من الأطنان من أسمدة “فيرمي كمبوست” سنوياً عبر استغلال النفايات التي ترفعها المؤسسات البلدية في محافظة ديالى. كما يمكن أن يشجع ذلك على الاستثمار بالنفايات، والتخفيف من نفقات البلدية من خلال منح مستثمرين مهمة جمع وفرز النفايات، وإطعامها للديدان لتحويلها إلى أسمدة.
الدود القبابي
هناك نوع آخر من الديدان يُستخدم لتغذية الطيور والأسماك والزواحف، وهو النوع المعروف بالدود القبابي (Mealworm).
يقول هشام أبو أحمد إنه أقدم مربي لهذه الديدان في ديالى، إذ بدأ قبل 8 سنوات بتربيتها في غرفة خاصة خلف منزله بقضاء المقدادية، حين قرر تربية الديدان القبابية لإطعام طيوره، وخاصة البلابل البرية، بدلاً من شراء ديدان مستوردة غالية الثمن.
لاحقاً، أصبح هشام مصدراً رئيسياً لبيع الديدان في ديالى ومحافظات أخرى. يذكر لــ “شرق العراق” أن الديدان القبابية تُعد مصدراً غذائياً جيداً للطيور، وأسماك الزينة، والسحالي، وأفراخ الطاووس.
ويعتقد إسماعيل المشهداني، وهو من أوائل مربي الديدان في بعقوبة، أن سوقها رائج، “والطلب عليه عالي جداً، خاصة في الصيف موسم تكاثر البلابل البرية.”
يستخدم إسماعيل “بيتونة” بيته – وهي المساحة التي تعلو السلم للطابق السفلي من المنزل- لتربية الديدان في دولاب خاص مقسم بهيئة خانات متعددة، يضع في كل خانة طوراً من أطوار دورة حياة الديدان التي تتحول إلى يرقة، ثم شرنقة، ثم خنفساء، تنتج البيوض وتخرج منها ديدان جديدة.
ومثل الديدان الحمراء، تتغذى الديدان القبابية على مواد بسيطة مثل خلطة من الشوفان والسميد والنخالة، فيما تعتمد على البطاطا والجزر والخس كمصدر مائي. أما سعر الكيلوغرام الواحد، فيصل إلى 60 ألف دينار، وهو أعلى بقليل من الديدان المستوردة التي يبلغ سعر الكيلوغرام الواحد منها 45 ألف دينار.
رغم فارق السعر، فإن الطلب على الديدان المحلية أكبر، كما يقول هشام: “الديدان المستوردة تغذيتها غير طبيعية وتنمو أسرع من الطبيعي بسبب الهرمونات، لذلك تسبب ضرراً للبلابل، وخاصة للأفراخ.”
هذا النوع من الديدان أصفر اللون ومقسم على شكل حلقات، يكون متوسط عمره 9 أشهر، ويحتاج إلى عناية يومية، إذ تُفصل اليرقات عن الخنافس في خانات منفصلة، ويتم تغيير الأعلاف أيضاً. ولهذا السبب، قلّل كلا المربيين الإنتاج، بالإضافة إلى المشاكل التنفسية الناتجة عن مخلفات هذه الديدان التي تُصنف كسماد عضوي أيضاً، ولكن ما تنتجه من سماد أقل بكثير مقارنة بالديدان الحمراء.
أنتج هذا التقرير بدعم من برنامج قريب الممول من CFI و AFD