تقاريرنامقالات

جردة 2024: ارتفاع صادم في معدلات الانتحار في ديالى

من الأرقام إلى القصص: فهم أزمة اجتماعية وصحية تتطلب معالجات فورية

ديالى – جنان السراي

تشهد محافظة ديالى، مثل سائر مدن العراق الأخرى، تزايدًا ملحوظًا في حالات الانتحار، الأمر الذي يثير القلق ويعكس تفشي أزمة اجتماعية وصحية تؤثر بشكل خطير على الشباب في المحافظة.

ارتفاع حالات الانتحار يشير إلى مجموعة من الأسباب المعقدة التي تشمل البطالة، الظروف الاقتصادية الصعبة، وغياب الدعم النفسي، مما يجعل الانتحار يبدو كحل نهائي لدى العديد من الشباب الذين فقدوا الأمل في المستقبل.

ارتفاع حالات الانتحار

وفقًا للإحصائيات الرسمية، سجلت ديالى خلال العام الحالي 63 حالة انتحار، فيما سجلت في عام 2023 حوالي 38 حالة انتحار مؤكدة، ما اعتُبر زيادة كبيرة بنسبة تفوق 120% مقارنة بعام 2022.

وأرجع مكتب مفوضية حقوق الإنسان في المحافظة تزايد حالات الانتحار إلى تراكم الديون على البعض بسبب مكاتب الصيرفة التي تتعامل بالربا (الفائدة العالية)، ما أدى إلى خسارتهم منازلهم وتفكك عوائلهم، ودفعهم في النهاية للانتحار.

كما تشير الإحصائيات إلى أن العديد من هذه الحوادث كانت نتيجة تزايد الضغوط الاجتماعية والنفسية، بالإضافة إلى قلة الوعي حول قضايا الصحة النفسية. ويؤكد العديد من الخبراء أن الحلول التي يتبعها المجتمع لمواجهة هذه الظاهرة ما زالت قاصرة، مما يزيد من تعقيد الوضع. فالانتحار بالنسبة للكثير من الشباب لم يعد حدثًا منفردًا، بل هو نتيجة تراكمية للعديد من الأزمات التي لا يجدون لها حلولًا فورية.

قصة مأساوية

في إحدى قرى محافظة ديالى التي تعاني من التهميش وانعدام الخدمات، تجد والدة الشاب “علي” نفسها أسيرة حزن لا يهدأ بعد أن فقدت ابنها الوحيد في حادثة انتحار مأساوية. علي، الشاب الطموح البالغ من العمر 23 عامًا، تخرج من كلية الهندسة لكنه لم يتمكن من العثور على عمل يؤمن احتياجات أسرته. مع تضاؤل الأمل واشتداد الضغوط النفسية، قرر (علي) إنهاء حياته، تاركًا والدته وأسرتها في صدمة لا تزال أصداؤها تخيم على القرية بأسرها.

الأزمات الاقتصادية

ويؤكد مدير مكتب مفوضية حقوق الإنسان في ديالى، الحقوقي صلاح مهدي، أن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية تلعب دورًا أساسيًا في تفاقم هذه الظاهرة.

ويقول مهدي: “البطالة وانعدام الفرص الاقتصادية، إضافة إلى غياب الدعم النفسي والاجتماعي، هي الأسباب الرئيسية التي تدفع الشباب إلى التفكير في الانتحار كحل نهائي لمشاكلهم. هذه الظروف الصعبة تجعل البعض يشعر بالعجز، ويجدون أنفسهم في مواجهة واقع لا يوفر لهم أي حلول.”

وأضاف: “لا يمكن تجاهل تأثير وسائل التواصل الاجتماعي، التي في بعض الأحيان تساهم في نشر اليأس والإحباط بين الأفراد، مما يعزز الشعور بالعزلة.”

وأشار مهدي إلى أن “وسائل الإعلام التقليدية ووسائل التواصل الاجتماعي قد تساهم في توجيه الشباب إلى قاع اليأس”، مؤكدًا على “ضرورة تكثيف حملات التوعية لزيادة الوعي حول آثار هذه المنصات وسبل التعامل معها بشكل أكثر أمانًا.”

ودعا مهدي إلى “ضرورة اتخاذ خطوات جادة من قبل الحكومة والمجتمع المدني لمواجهة هذه الأزمة”، مشددًا على الحاجة إلى “خطة حكومية فعالة تهدف إلى معالجة جذور المشكلة، خاصة من خلال توفير فرص العمل والدعم النفسي للمحتاجين.”

مسؤولية الأسرة

أما الدكتور جعفر البرقعاوي، أخصائي الطب النفسي، فيرى أن الأسرة تلعب دورًا محوريًا في التأثير على الشباب، سواء بشكل إيجابي أو سلبي.

ويوضح البرقعاوي: “في العديد من الحالات التي تعاملت معها، كانت الأسرة نفسها مصدرًا للضغط النفسي، إما من خلال التوقعات غير الواقعية أو من خلال الخلافات العائلية”، مشددًا على أن “هذه الضغوط يمكن أن تؤدي في النهاية إلى تفكير الشخص في الانتحار كحل للهروب من هذه المشكلات.”

وأضاف البرقعاوي أن “التأثير الاجتماعي يلعب أيضًا دورًا في تضخيم هذه الأزمات النفسية، خاصة في ظل غياب الدعم النفسي المؤسسي وعدم توفر بيئة حاضنة تشجع الشباب على التعبير عن مشاكلهم.”

وأكد أن “المجتمع في ديالى يحتاج إلى زيادة الوعي حول أهمية التعامل مع القضايا النفسية بجدية، وعدم اعتبارها مجرد مشكلة فردية، بل قضية جماعية يجب أن يتكاتف الجميع من أجل حلها.”

وأشار البرقعاوي إلى أن “المحافظة بحاجة إلى مزيد من الكوادر المتخصصة في الصحة النفسية، لتوفير الدعم اللازم لأولئك الذين يعانون من مشكلات نفسية.”

“لحسن الحظ نجت سارة”

وتسلط الناشطة الاجتماعية سرى عدنان الضوء على معاناة الفتيات في المناطق الريفية. وتروي قصة سارة، الفتاة التي لم تتجاوز الـ 16 عامًا، والتي أُجبرت على ترك دراستها والزواج من رجل يكبرها بعشرين عامًا. ورغم صغر سنها، كانت الضغوط النفسية والاجتماعية التي تعرضت لها كبيرة للغاية، مما دفعها في نهاية المطاف إلى محاولة الانتحار باستخدام مواد سامة.

لحسن الحظ، نجت سارة بعد أن تم نقلها إلى المستشفى، إلا أن هذه الحادثة تبرز واقعًا مريرًا تعيشه العديد من الفتيات في المنطقة.

وأشارت سرى إلى أن المجتمع في ديالى يعاني من وصمة العار المرتبطة بالقضايا النفسية، مما يعوق الكثيرين من التحدث عن مشاكلهم أو طلب المساعدة.

أرقام وإحصائيات

وفي تصريح خص به شرق العراق، أكد مدير إعلام دائرة صحة ديالى، فارس العزاوي، الأرقام التي تم تسجيلها في المحافظة خلال عام 2024. وقال العزاوي: “حالات الانتحار هذا العام تضمنت 17 حالة انتحار للرجال باستخدام الشنق، و15 حالة باستخدام الطلق الناري، بالإضافة إلى حالة غرق واحدة، وأخرى باستخدام رمانة يدوية. أما النساء، فقد سجلنا 8 حالات شنق و20 حالة طلق ناري، ليصبح الإجمالي 63 حالة انتحار خلال هذه السنة.”

هذا التقرير أنتج بدعم من برنامج Qaribmedia الممول من CFI & AFD

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى